عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 23-11-2018, 10:03 PM
:20aab3d138e07613e65
دانه العازمي♩ ‏⠀‏ غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 932
 اشراقتي » Nov 2018
 كنت هنا » 07-02-2019 (02:07 PM)
آبدآعاتي » 285[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه United Arab Emirates
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
 
افتراضي مهمات في التأصيل العلمي



التأصيل العلمي و المعرفي من أهم الركائز التي يجب على الطالب أن يهتم بها، و هذه مهمات ومعالم في التأصيل:
أولا: في المتن: أن يكون الاعتماد على متن أصلٍ في الفن، معتبر عند أهله، مطروقٌ شرحُه كثيراً من أساتذته. و لا يكون على متنٍ ليس بذاك. و هنا المتن للاعتماد، و فرق بين متن الاعتماد و متن التخرُّج، فمتن الاعتماد أن يكون كما ذكر، و متن التخرُّج أو التعلم أن يكون متنا مستوعبا أصل العلم، آتياً بقضاياه و مسائله على المعتمد فيه عند أهله، حتى و إن كان متأخرا، ولو معاصرا، لأن المقصد منه أن يقف الطالب على مباحث العلم و يُدركها. و متن الاعتماد أو الاستشهاد يكون عند المحاججة أو الاستدلال، و لكل زمن كتبه. و أما الاستكثار من المتون في كل فنٍّ فهو من تضييع الأعمار، فالمتون لم تُجعل إلا لأحد ذين الأمرين؛ إما الاعتماد، و إما التخرُّج. و يكفي في الفن بعضٌ.
مما يُلحظ بعين العناية في المتون، أن يُراعي الطالب متون بلده، و المعتمد فيها، فلكل بلد متونه، و لكل أرضٍ أصولها، فبذلك يكون أسهل عليه في تحصيل المقاصد، فخدمة متون أرضه في أرضه أكثر من خدمة متون غيرها فيها، و يجد من المشتغلين بمتون أرضه كثيراً، بخلاف المشتغلين بغيرها.
ثانيا: من قضايا المتون ما يتعلق بالتدرج فيها، و التدرج سنة كونية حياتية، من خالفها انتكس جهده، و انقلب على عقبيه، و لكن يُلاحظ في التدرج في المتون سراً جوهريا، غائب عن الكثيرين، و هو: أن يكون التنقُّلُ ليس صوريا، بل يكون جوهريا، بمعنى: ألا يكون التدرج في صورة انتقال من متن إلى متن، و ليس في التالي مزيدا على الأول، بل يكون جوهريا، و يكون في المتن التالي زوائد كثيرة تستحق إفناء العمر و الجهد فيها، أما أن يكون التدرج مجرداً من درجة كبيرة من الزوائد، و يكون الزائد مما لا يستحق أن يقضى فيه الوقت، فيكون أغلب ما في المتن التالي مكررا لما في الأول، فهذا من ضياع العمر و الجهد. و عند التحقيق و النظر نجد أن الفنون يُنال العلم فيها من خلال متونها بمتونٍ لا تتجاوز الثلاثة متون، وما زاد عن ذلك فلا يُحتاج إليه في تأصيل قاعدة، و إنما في تكميل فائدة.
من قضايا التدرج في المتون، و هي من المغفول عنه، عدم ملاحظة القُدرات العقلية، فمن استوعبَ المتنَ الأوليَّ في وجيزٍ من الوقتِ يُنقل إلى متنٍ أبعد، فليس من المستحسن أن يُلتزم التدرُّج المتنيَّ التزاما إلزاميا. فليلحظ الطالب نفسه في ذلك، فإن كان قادرا على استيعاب المتن المتقدم فلينتقل إليه، فالتدرج وسيلة لغاية العلم، و ليس غاية لغاية.
ثالثا: بعد ذلك يقرأ متنه على عالم متمرسٍ في إيضاح المقصود في متن الفنِّ، و هنا هو يحتاج إلى مفتاحٍ يفتح له باب العلم، فلينظر إلى أيسر طريق إلى ذلك، و لا يُتعب نفسَه بالتتبع لشخص على وَفْقِ شرطٍ لا تخدم الجوهر بقدر ما أنها تخدم صورة الطلب، و أيضاً ليكن بحثُه من أجل تحصيل الفتح للمتن لا من أجل شرف القراءة، إلا إن كان قصده في الأصل أن يكون في صورة المتعلم فعليه أن يتبع الصور، و أما إن كان قصدُه تحصيل العلم فيأخذ الطريق الذي يُوصله. و كل معلم سيُوصل طالبَه إلى مراده، و لكن الطرائق تختلف.
رابعا: شرط المتن المعتمد أن يكون له شرح، و قد غدت بعض المتون ذات شروح كثيرة، و على الشروح حواشٍ، و من ثَمَّ تقريرات، مما يجعل الطالب في متاهة من التعب في التتبع لشتات المبحوثات في ذلك المتن، فيلزمه أن يقف على شرح أصلٍ أصيل للمتن، فيعكف عليه، و يجعله عمدة المُضاف المزيد مما تفرق في غيره، فيتخرج على ذلك الشرح كما تخرج على متنه. و يُقال في الشرح ما قيل في المتن. أما تتبع الشروح و جمعها فهو مما يُضيع الجهود، حيث أنها تكرار لبعضها، و نسبة الزائد ليست كبيرة، و ربما لا تكون من عُقَد العلم، و إنما تكون من مُلَحه و لطيفه، و الطالبُ يتبع العُقَد.
و يكون في كل ذلك واقفاً على أصول المسائل و القضايا، تاركاً تفاصيلها و جزئياتها، فالجزئيات تأتي في مسيرة القراءة، و الاشتغالُ في التفاصيل عند البناءِ هدمٌ بهدوء. فليكن اهتمامه بالأصول، فكما اشتغلَ بأصولِ المتون، فليكن أيضا مشتغلاً بأصول المسائل.
خامساً: يُقرأ في أبحاثِ المسائل و القضايا المُفردة، عند الاحتياج إلى ذلك، فبعض قضايا الفنون أفردتْ بتأليف خاصٍ، يرجع إلى ذلك التأليف أحد شخصين: متخصص بالفنِّ، فهو محتاج إلى تفاصيل مواضيعه. ومحتاج إليها في ظرفٍ طرأ، فتُقدَّر بقدرها. أما جمع تلك التآليف المُفردة للمُفردات فليس من المُستحسن لمن قصد تأصيل نفسه، و إنما يُستحسن في مستقبل العمر، حين يكون الطالب جاوز مرحلة التأصيل و بدأ في مرحلة التكميل.
سادسا: من جميل الحال أن يقرأ الطالب في أصول أوقاته، و أصول الأوقات ما كانت الهمة مجتمعة، و القلب مستريحا، و البال فارغٌ، و النفس منشرحة، و العقل متهيئ لاستقبال المعارف، و مرجع ذلك إلى أحوال الإنسان نفسه، و لا ينظر إلى تجارب الآخرين، فالتجاربُ في الأحوال الشخصية تبقى في الأعيان و لا تتجاوزهم إلى سائر الناس. لأنها ليست تجارب حياة عامة. و التجاربُ الشخصية التي تُعتبر هي ما مسَّ الحياة العامة لا الحياة الخاصة. فعليه أن يهتم بتعاليم الرجال لا بمعلوماتهم، فالتعاليم خبرة . فيفرغ الطالب لنفسه و علمه في تلك الأوقات، يقضي وقته قارئا، فيكون مُدركا في الوقت القصير الكثير من العلوم، ففي ساعات الصفاء تكون التأملات في الأعماقِ ، و في الأعماقِ الدُرر.
سابعا: اصطحاب قلم العلم، تقييداً لنفيس، و تعليقاً لحَسَنٍ طارئٍ على الخاطر، في تفاعلٍ مع الكتاب، و تناغمٍ و انسجامٍ مع المعارف و العلوم. أما أن يكون مجرَّداً من قلم العلم، فإنَّه ليس إلا ماراً بعينه على حروفٍ مسطورة، و لن يخرج بشيء، إلا أنه أعمل عينه قراءة، و عقله من القراءة في براءة. و هذا ليس لائقاً بعاقل، فكيف بمن يرنو إلى أن يكون من أهل المعارف و العلوم.
ثامناً: قيادة الوقت سر النبوغ، فيجعل الطالب زمنا يُنهي فيه متن الفنِّ، و لا يجعل ذلك لقانون: كيفما اتفق. بل يرسم خطة مسيرته من البداية و حتى النهاية، و لو جدَّ لأمكنه أن يُنهي متنَيْ كلِّ فنٍّ في رُبع سنة، فيكون محصوله العلمي في السنة أربعة فنون، أوليسَ فعلَ قومٌ سابقون أكثر من ذلك؟ فما الذي يجعله غير ممكنٍ له؟!
تاسعا: أفقُ المعارف. لا يُستحسن بالطالب أن يبقى حبيس ظلِّ الفنون المتعارفة، بل ينتقل إلى علوم و فنون أُخر، فالاعتكاف على المُكرر مضيعة وقت، و العلم تحصيل للعلم، و التحصيل المحمود لما لم يكن موجوداً قبل، أما تحصيل الموجود فليس شيئاً مُلفتا للنظر. فليكن الطالب محيطاً بعلوم أُخر، و ليكن شمولياً، فالطالب تابع للمطلوب، و المطلوب هنا شامل فليكن الطالب مثله. لا مجال للاعتذار بضيق الوقت، فلا يعتذر بضيق الوقت همام و لا ساعٍ لكمال، و إنما يعتذر بضيق الوقت من فرَّط في الوقت، و لجأ إلى الكسل، و أدم الرُّقاد. و إذا أتقن الطالب قيادة وقته أدرك في القليل الكثير.
عاشرا: ليشتغل الطالب بعدُ في توظيف أصول العلوم، و مقاصد المعارف في حياته، مبتعدا عن الجزئيات و الشكليات التي تؤثر ضررا على أصول العلم، فما كُل ما يُتعلَّم يُعمل به، و ما كل ما يُعلَم يُعلَّم، و إنما أصول العلم هي التي تكون في أرض العمل، ليشتغل الناس نظراً إلى المعمولِ و هو جوهراً، و لا يشتغلون إلى ما هو جزئيٌ أو شكليٌ. فمن الجزئيات فروع القضايا التي لا تجلب ذما بالجهل بها و لا بترك العمل بها، كذلك ما يثير تساؤلاتٍ و إشكالات، لأن الطالب حيثُ كان وقته نفيساً عند الطلب فهو أنفس عن العمل. و هنا ليكن ملازما العطاء، و بذل العلم، بأي صورة كانت، فليقف على المقاصد.
التأليف في توظيف العلوم حَسَنٌ، و يكون سيئا حين يكون مكروراً، وسوءه في تكراره لا في مضمونه، وجوهر التأليف أن يكون خادما للعمل بالعلم، لا أن يكون ناقلا للعلم فقط، ففي تآليف نقل العلم غُنية، و التآليف للاحتياج و ليست للابتهاج. و لا يحقرنَّ نفسه عند التأليف، ففي كلِّ إنسان تميُّزه، و إن ألَّفَ فلن يكون شبيها حدَّ المطابقة لتأليف غيره.





رد مع اقتباس