🎯التوازن بين التصورات والتصديقات🎯
يشدد ابن تيمية رحمة الله على ضرورة الانطلاق من المفاهيم والمعاني والتصورات (الاطار النظري)، ثم البحث عن التطبيقات التي تصادق تلك التصورات (اي الاطار العملي)،
ويقول رحمة الله من قرر المعاني أولا في عقله ثم بحث عن الألفاظ المسمية لها والافعال التي تصدقها اهتدى.
فالنظري هنا كما يصفه ارسطو بأنه نظر العقل في المسألة، اي تصورها وادراكها، يسبق التصديقات اي الحكم على صحتها يقينا من خلال القول الشارح وصحة المثال التطبيقي الواقعي.
وهذا المنهج يجسد بدقة المنهجية العلمية في التفكير التي تتوازن بين التصورات والتصديقات، فكلاهما مهم، ولا يستقيم الإدراك والعمل الا بهما.
تدرك ثم تطبق
نتطور ذهنيا المسألة ثم تصدق تصوراتك على احكام واقعية
تنظر وتقعد ثم تنفذ وتحقق
فالجودة هي المطابقة
والمطابقة ان يتطابق ما تكتب نظرياً مع ما تطبق عملياً
لهذا فإن منهج المدرسة التفسيرية (المدرسة التطبيقية) يركز على التوازن المحقق باذن الله للنتائج
فالتنظير بلا تطبيق عبء معرفي، يخرج صاحبه عن حيز الواقعية
والتطبيق بلا تنظير يفقد صاحبه القدرة على ادارك الهدف وتطوير الأداء
التوازن مطلب، وهذا يشبه جناحي الطائر بهما يحلق ويبلغ المبتغى
ولهذا فإن ارسطو رائد علم المنطق يحدثنا عن التصورات والتصديقات كجوانب اساسية لعملية الادراك التي يبنى عليها العلم.
فالعلم هو الحكم على الشي بيقين ودليل، ولا يكون ذلك الحكم الا بمطابقة التصورات للتصديقات.
فالعالِم بالشيء قادر على وصف الظاهرة وتفسيرها والتحكم والضبط لمتغيراتها والتنبؤ بحالتها.
اننا بحاجة اليوم الى (الرديكالية) في العلوم اي العودة لجذور العلوم لفهم حدودها ورسمها وادارك مادتها وهئيتها، كي ندركها روايةً ودرايةً، لنفصل بوعي ما بين علوم الغايات وعلوم الوسائل، فنبرع في تطبيقها لأننا احطنا بماهيتها وكينونتها وسيرورتها وصيرورتها.
والواقع اليوم، اننا نجد انفسنا امام مدرستين فكريتين في مناهج البحث تؤثر على تعليمنا ومناهجه ومخرجاته ونتأثر بها في اعمالنا وعلاقتنا وحياتنا، سواءً ادركنا ذلك ام لم ندركه.
وهي المدرسة الوضعية التي تتبني البحث الوصفي والتي تركز على الاطار النظري فالباحث هنا مهتم بوصف الظاهرة وتقديم تفسيرات نظرية لها، وتوصيات للتعامل معها، وليس معنياً بحل المشكلة بل بالمعالجة الاحصائية التي تثبت صحة فروضه ، والتي اقام عليها اداة البحث (الاستبانة) واستنتج من خلالها توصياته، فهو ليس جزء من التجربة بل واصفا لها، وهذه مدرسة الاكاديميين المعنيين بتدريس العلوم.
ومدرسة تفسيرية تركز على البحوث النوعية التطبيقية الميدانية والباحث فيها ينزل للميدان، فهو جزء من التجربة ويسعى لتحليل المشكلة مستخدما النظرية المتجذرة واكوادها ليبني نموذجا تطبيقا يحل من خلاله المشكلة، ولا يعد بحثه ناجزا الا بحلها، وهذه مدرسة الاستشاريين الممارسين للاعمال والمعنيين بحل المشكلات وتجاوز التحديات.
وعليك انت تحدد طبيعة المدرسة التعليمية التي خاض الفرد غمارها، لتعرف المنهج الفكري الذي يفكر من خلاله والنتائج المتوقعه منه.
وللعلم كلاهما مفيد ومميز وحسب الاستخدام وطبيعته تبرز اهمية المدرسة والنتائج المتوقعة من اصحابها.
ان اقتصاد المعرفة اليوم يركز على التوازن بين الاطار المعرفي النظري والاطار التطبيقي العملي، وعلينا ان نعد انفسنا وابنائنا للتحول إلى (عُمال معرفة) قادرين على توليد المعرفة ونشرها واستثمارها وتطبيقها.
ان المعرفة قوة، ومشاركتها طاقة، واستثمارها ميزة، وتطبيقها جداره.
اعاننا الله جميعا على التوازن وهدانا لجميل التصور والتصديق.
والله الموفق
د. محمد العامري
مستشار تعليمي وتربوي
---