ننتظر تسجيلك هـنـا

الأدارة ..♥ مَملكتنا مَملكة الياسمين، يلتهبُ الشجنُ ويَثْمِلُ الحرفُ بالآهات ، حروفُنا الخالدةُ كفيلةٌ بأنْ تأخُذَكم إلى عَالمِ السَحَر ، تَحْدِي بِكُم وتَمِيلُ فهي مميزةٌ بإدخالِ الحبِّ إلى القلوب ،ولكي لا تتَعرَضَ عُضويَّتكَ للايقافِ والتشهيِّر وَالحظر فِي ممْلكتِّنا .. يُمنع منْعاً باتاً تبادل اي وسَائل للتواصل تحْتَ اي مسَّمئ او الدَّعوه لمواقعِ اخْرى ، ولكم أطيب المنى ونتمنى لكم وقت ممتع معنا



إضافة رد
#1  
قديم 02-04-2020, 03:16 AM
عذبة المعاني متواجد حالياً
 
 عضويتي » 895
 اشراقتي » Oct 2018
 كنت هنا » اليوم (05:31 AM)
آبدآعاتي » 1,884,171[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » عَيْنَاهُ والرَُوْحُ سَوَاءَ .
موطني » دولتي الحبيبه Palestine
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
افتراضي ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 57 الفصل الأول



بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله

الجزء السابع والخَمسون
الفَصل الأول

أَيْقَظتها بقُبْلات ناعِمة كالفَراشات المُرَفْرِفة على وَجْنتيها.. فَتَحت عَيْنيها الضائقَتين من النّعاس، ابْتَسَمت وهي تهمس ببحّة: صباح الخير مـاما
أَبْعَدت خصلاتها عن وَجهها القَمري وهي تَرد بهمسٍ دافئ: صباح الورد وردتي "مالَ رَأسها بتساؤل" هـا.. شبعتين نوم؟ "حَرَّكَت رَأسها بالإيجاب وهي تَزحف لِتَنكمش في حَضن والدتها التي ضَحَكت قائِلة" ماما راح نتأخر على المدرسة
انطَوت أَكثر في حضنها وهي تهمس بطلب: بس شوي ماما.. خمس دقايق
شَدَّت عليها بَحْنو وتَركت قُبْلة على رأسها: أوكي حبيبتي "ابْتَسَمَت بِجَذَل وهي تَسْتَشعر اسْتنشاق صَغيرتها الواضح لرائحتها.. قَبَّلتها من جَديد وأَناملها تُداعب خصلاتها الناعمة.. نادتها بخفوت" ماما جنى
رَدَّت بنبرة ناعِسة وشهيّة: نعم ماما
تَساءَلت: تذكرين يوم قلت لش تدعين وتطلبين من الله اللي تبينه؟
رَفَعت رأسها لتنظر إليها وتُجيب باهْتمام: اي.. أذكر "وبصدقٍ طاهِر" كل يوم كل يوم أدعي إذا سمعت الأذان.. أدعي وااجـــد
هَمْهَمَت وابْتسامتها تَميل لِتُفْصِح: واللي يقول لش إن الله استجاب دعائش
اسْتَفسَرت بعدم فهم: يعني شنو؟
ضَحَكَت بخفّة وهي تَعْتدل في جلوسها وتواجهها مُوَضِّحةً بهمس والعَين بالعَين: يعني الله سمعش وعطاش اللي تبينه "أَكْمَلَت وهي مَشْدوهة لاتّساع عَيْني جَنى المُتَحَفِّزة" أنا وبابا فيصل رجعنا لبعض "قَرَصَت أَرْنبة أنفها مُرْدِفة بوَجْسٍ رَقيق" يعني خلّص الديفورس
فَغَرَت فاهَها الصَّغير وهي تَتراجع عن حضنها ببطءٍ شَديد.. قَلَّبَت عَدَسَتيها على وَجْهها باحِثة عن الصِّدق.. اسْتجابَ لها الله.. يعني أَنَّهُ سَمعها.. هي كانت تهمس بصوت منخفض جدًا.. وبعض الأحيان كانت تدعو داخل قَلْبها.. لكن مع ذلك هُو سَمِعها! إنّهُ يُحِبّها.. الله يُحِبّها.. أخبرتهم مُعَلّمة التربية الإسلامية أَنَّ الله إذا أَحبَّ عَبْدًا يَرزقهُ ما يشاء.. يرزقه يعني يعطيه كما عَلَّمتهم.. إذن الله يُحِبّها.. لَقد رَزقها وأَعطاها هذه الهديّة الجَميلة جدًا.. ماما جِنان مع بابا فيصل.. انتهى "الديفورس" انتهى!
نادتها والدتها وهي تُراقِب صَمْتها المَذهول: جَنى حَبيبتي؟
ضَحَكت.. بلا مُقَدِّمات ضَحكت بعُلو وزَهْو.. ضَحَكت حتى تَمايلَ جَسَدها النَّحيل ويَداها الصَّغيرتان ترتفعان تغطيان فمها.. شاركتها جِنان الضّحكة وقَليلٌ من دُموعٍ عَذْبة خالطَت التماع مُقْلَتيها.. عانقتها وهي تَتساءل: هالكثر ماما مستانسة؟
أَجابت الطْفلة ببراءة والابْتسامة تَشعُّ كالشَّمس على وَجْهها: واجد ماما مستانسة.. واااجــد
قَبَّلَت خَدَّيها وبرأفة: يا روحي إنتِ.. يا عُمري.. عسى الهنا ما يفارق قلبش الصغيرة
اسْتَفسَرت لتتأكَّد: يصير أقول لله شُكرًا صح؟
هَزَّت رأسها: طبعًا حَبيبتي يصير
رَفَعت رَأسها بالتوالي مع ارْتفاع كَفّاها المُتخذان وضعية الدُّعاء.. وبسعادة عــارمة رَدَّدَ لسانها المُصَفَّى: شُكرًا يا الله.. شُكرًا يا الله.. شُكرًا....

،

تَفَقَّدَت الطَّريق أَمامهما في الوَقت الذي كانت تركن فيه والدتها المَرْكبة.. وباسْتغراب: بابا مو اهني.. سيارته مو واقفة مثل كل يوم!
نَظَرَت إلى حيثُ اعْتاد أَن يَقِف كُل صَباح لِتَجِد سَيّارة أُخرى.. قالت بتفكير: يمكن وقف في مكان ثاني "التَفَتت لها" بننزل وبنشوف
غادرت السَّيارة ويَدُها في يَد ابْنتها المُنْهَمِكة في البَحث عن والدها بِعَيْنيها الحائِرَتين.. تساءَلت بزعلٍ وَضيق بعد أَن تَجاوزتا الباب الداخلي للمدرسة دُون أن تَلتقيا به: ليــــش ما جا؟
أَخْفَضَت بصرها إليها لتُجيب بلُطف: حبيبتي يمكن تعبان
بخوف وهي تَتَذَكَّر جِرح رأسه: طلع من راسه دم بعــد؟
نَفَت سَريعًا: لا لا حبيبتي.. ما طلع دم "وبتوضيح بسيط" يمكن نام متأخر وما قدر يقوم الصبح.. جذي أقصد "رَفَعت كَتفها بعدم ارْتياح وهي لَم تَقتنع بتبرير والدتها.. ابْتَسَمت وَضَغطت على يَدها قائِلة" أكيد راح يجيش في الهدّة
أَخفت ضِحْكتها عندما قابلتها صَغيرتها بصمت وبعُقْدة حاجِبَيْن.. رَفَعت رَأسها مع تَحَرّك عَدَستيها اللتيْن تَعَثَّرتا بنظرة ثاقِبة.. تَباطَأت خَطواتها ولكنّها لَم تَقِف.. ابْتَسَمت له ابْتسامة لَم تَتَضِّح أَبَدًا على شَفتيها قَبْلَ أن تَتَخطَّاه إلى صَف ابْنتها.. سَلَّمتها الحَقيبة ثُمَّ قَبَّلتها وَوَدَّعتها. اسْتَدارت لتخرج لكن هذه المرّة لَم يَسْمح لها بالهروب.. فهو كان يَقف خَلْفها مُباشرة.. تَفصلهما خطوتان فقط. ارْتَبَكت في البداية.. أو بالأحرى تَلعثمت بالحَرج.. ولكنّها اضطَّرت أن تخوض الاشتباك.. اشتباك الأعْين.
كانا يَقِفان مُتقابِلَيْن وَسَط المَمر المؤدي إلى باب الدخول والخروج.. هَمَسَ وهو يَعقد ذراعيه على صَدْره: أنا قاعد انتظر
أَغْمَضَت للحظات بتِيه هامِسةً: نـادر
قاطعها قَبْلَ أن تُكْمِل: أمي تضايقت جدًا من اتصال والدتش.. بالنسبة لها التَّصرف كان فيه قلّة ذوق.. قَبل ساعات بسيطة من الشوفة تتصل وتعتذر!
أَيَّدته وهي تَقبض يَدها: معاها حق.. وأنا أعتذر عن نفسي ونيابة عن أمي
بتنهيدة: على العموم أنا بذلت كل جهدي عشان أهدّيها وأخلّيها توافق على زيارة ثانية.. بس اللحين أبي منش تحددين لي موعد أكيد ومن غير أي أعذار ومفاجآت
زَمَّت شَفَتيها وملامحها تَتَصَدَّع بأَسَف.. أَرْختهما قَبْلَ أن تُحَرِّك رأسها وهي تهمس بغصّة: مـا يصلح نادر
أَحَلَّ عُقْدَة ذراعيه مُعَقِّبًا: أدري فيش منحرجة جنان.. بس ما عليه.. تصير مثل هالأمور.. الحمد لله الوالدة راضية اللحين
كَرَّرَت وضَميرها يؤنّبها بقسوة: ما يصلح نادر.. ما يصلح
ارْتَفعَ حاجِباه: ليش؟ عشان فيصل؟ أو عشان جنى مثلاً؟ مهما كان السبب جنان فله حل.. لا تفــ
: مَلجــنا
نَظَرَ لها بعدم فهم لثواني قَبْلَ أن يتساءل بعُقدة حاجِبَيْن: شنو!
أَعادت وهي تَتنفس بثقل وصوتها يكادُ يَخْبو: مَلجــنا.. أنا وفيصل البارحة ملجنا
ارْتَدَّ للخَلف وردود فعله جَميعها خَبَت من وَجْهه لِيَنْقض عليه شحوب باهِــت.. حاوَلَ أن يَزْدرد ريقه لكنّ الغصَّة قَد تعاظمت وَسَط حَلْقه بصدمة.. نَطَقَت بوَجْسٍ راجٍ وعَيْناها قَد كَساهما اعْتذرٌ مُشْفِق كَرهتهُ ذاته: آسـفة.. آسفة نادر.. سامحنــي.. صدقني ما كنــ
يَده ارْتفعت بِحَزْمٍ آمِرةً لسانها بالتوقّف.. أَخْفَضها مع نزوح الجَليد إلى وجهه وحواسه.. هَمَسَ بنبرة خاوية: لا تكملين
وَخَزها بنظرة أَدْمَت ضَميرها.. ثُمَّ اسْتدار مُبْتَعِدًا عنها بَعْد أَن انتهى دَوْره السّاذِج في مَسرحية حَياتها العَوْجاء.




تَجلس أَمام التّلفاز بفِكْرٍ مَشْغول.. صَغيرها يَسْكن حِجْرها وقَد نال منهُ النَّوْم بَعدَ أن أَشْبعتهُ وَجْبته البَسيطة.. البارِحة عادت إلى شقتها.. اسْتَسلَمت في النهاية لرأيهم على مَضض.. فلا زال الخَوْفُ يُشاكِس ذاتها.. والاحتمالات المَشْؤومة لا تَفتأ أن تَجثم فَوْق خَيالها. زَفَرَت بخفوت ويَدُها تَمْسَح على رَأس صَغيرها بِحنانٍ لَم تَتَوَقَّع أَنَّهُ كان سَينبجس داخلها بكُل هذه العذوبة.. وكأَنَّ فعلاً مَشاعر الأُمومة مَحْفوظة في قَلْب كُل امْرأة.. تَنتظر فَقط ولادة الطفل الأول لِتَكشف عن عنفوانها. انتبهت لخُروج زوجها من مكتبه.. اقْتَرب منهما بابْتسامة دافِئة وفي عَيْنيه نَظْرة آسِرة.. انْحَنى مُقَبِّلاً رَأس صَغيره بخفّة، قَبْلَ أن يَسْتقر بجانبها ويهمس: شخبار الوضع لحد الآن؟
هَزَّت رَأسها وبسَبّابتها دَعَكَت أَسْفَل أَنفها مُجيبةً: الحمد لله.. تمام للحين
وبتساؤل مَرِح: يعني عادي باجر أداوم وأترككم بروحكم؟ أَمـان ولّا في خوف؟
ابْتَسَمت وهي تُخفي تَنهيدة بَين ضِلْعيها: أَمـان.. رُوح
رَبَّت على فَخذها: زين زيــن "اسْتَطَردَ" بتروحين اليوم لأم جَنى؟
اتَّسَعت ابْتسامتها: أكيــد.. بعد الخبر اللي سمعته لازم بروح أَبارك لها
وهو يَلتقط أَداة التَّحكم بالتلفاز: تَمام.. أنا بوصلكم في طريقي
بموافقة: أوكـي
سادَ الصَّمت في المَكان ما خلا صوت التلفاز المُنخفض جدًا.. وصوت أَنفاس الصَّغير الغارق في نومه الشَّهي.. نَظَرت لهُ وهو مُندمج مع أحد البرامج الوثائقية.. يَجب أن تخبره بقرارها الذي اتَّخذته بينها وبين نَفسها.. لكنّها تَخشى أن يُواجه القرار باعتراض.. وتبدأ رحلة النّصائح الثَقيـلة جدًا على القَلب.. لكن لا بُد أن تخبره.. لا يوجد حَل آخر حَنين! رَشَّحت صَوتها من تَرَدّده.. مَرَّرت لسانها على شَفتيها.. ثُمَّ نادته وفي عَيْنيها نَظْرة مُتَوَجِّسة: بَسّــام
التَفَتَ لها بانتباه: نعم؟
تَنَحنَحت وهي تُزيح عن جانب وَجْهها خصلة وَهْمية ثُمَّ تقول بثقة مَشروخة: أنـا بكلم مديري.. باخذ إجازة سنة من غير راتب.. عشان أقابل ولدي وأهتم فيه
نَظَرَ لها لثواني من غير أي تعقيب، وملامحه لَم تَتَضمن أي ردّة فعل تُوَضِّح لها رأيه وانطباعه.. لذلك نادتهُ باستفسار: هـا بَسّـام.. شنو تقول؟
رَدَّ بهدوء وبابْتسامة جانبية: ما أقول شي.. القرار قرارش.. وهذا شغلش وإنتِ أدرى باللي يناسبش
أَخْفَضَت رَأسها قَليلاً لِتَتَطَلّع إليه بشك: أكيــد؟ يعني مو معصّب أو معارض؟
ضَحَكَ بخفّة: ليـش أعصّب؟ عـادي على راحتش.. هذا الشي خاص فيش وإنتِ تشوفينه الأنسب والأريح لش.. وبعدين الحمد لله الخير واجد.. فمو محتاجة للمعاش
أَيَّدت: صَـح.. الحمد لله إنت وأبوي مو مقصرين
أَحاطَ كَتفيها بذراعه ليهمس لها بلُطف: أهم شي تكونين إنتِ مرتاحة
ابْتَسَمت لهُ بِرِضا وحِمْلٌ كان قَد آرقها ها هي رُوحها الآن تَتَخفّف منه.. لَم تَتَوَقَّع أَنّه سيوافق بهذه السرعة.. ظَنَّت أَنَّهُ سَيُقابلها باستنكار ومعارضة شَديدة كما حَدث عندما بَثَّت لهُ رَغبتها في المكوث عند والدتها.. لكن يبدو أَنَّهُ لا يُريد الضَّغط عليها.. وحَقيقةً فكلامهُ صَحيح.. فهذا عملها وأَمرها الخاص بها هي فقط.. حتى هو زوجها لا دخل له في أي قرار تتخذه تجاهه.



التاسعة صَباحًا.. قُرابة العَشر ساعات مَضَت والرَّيحُ الرّمادية لا زالت تُعيثُ فَسادًا حَولها.. في رُوحها.. وبين مَلامحها. كَم بَكت؟ انظر إلى وَجهها وَسَتَجِد الجَواب.. بَكت كثيرًا.. كَثيـرًا.. للحَد الذي اصْطَبَغت فيه أَجْفانها بزُرْقة باهتة طَغى عليها الاحْمرار.. كما لو أَنَّ أَجفانها تَوَرَّمت. قَلْبُها من صَدمتها أَمسى صَغيرًا.. ذَرَّة تَسْتقر عند يَسار صَدرها وقَد اخْتُزِل فيها حُزْن العالم أَجمع.. كُل الأوجاع تَرَّكزت في قَلبها.. حتى أَنَّها فَقَدت الإحساس بباقي أَعضائها.. في تلك اللحظة مات كُل جُزء فيها.. وَلَم يَبقَ سوى قَلبها الذي أَخَذ يَجُر أَنينًا له وَخْزٌ لَم يَزل يُعَذِّب صَدرها. على الأَريكة الطَّويلة كان جُلوسها.. أو لنكن واقعيين.. على الأَريكة الطَّويلة كان انكسارها.. خَيبتها.. وانهدام أَحلامها.. خصلات شعرها الذابلة تُحيط بوجهها المَسْفوك دَمعه.. التَّبلد بَدأ يَزحف إلى مَلامحها شَيئًا فَشيء لِيُعانق الاختناق الذي نال منها خلال ساعات البُكاء الماضية.. فَمُها تَنتصفهُ ثَغْرة صَغيرة.. يَعْبر من خلالها هواء يُطَبْطِب على رَئتيها.. شَفتيها غادَرتها الحَياة فاستحْكَمَ منها الجَفاف... وعلى أَهْدابها غَفَت دَمْعة.. تنتظر أَمْرَ البُكاء لِتَنتحر فَوْق خَدّها. جالِسة وهي تثني قَدميها تَحت فَخْذيها، حَيثُ فَوْقه أَسْبَلت ساعديها وكَفّاها يشرحان خلاء وفاضها.. ظَهْرُها مُنْحَني وبَصَرُها مُعَلَّق بنقطة واحدة مُنذ أكثر من ساعة.. لا يَدري فيمَ تُفَكِّر.. ماذا يَجول في عقلها.. وأَيُّ الأَحاسيس تُخالجها؟ الهُدوء الذي يُحاوطهما صاخِب.. بهِ إزْعاجٌ يُثير الارْتباك والتَّوتر.. يَشعر بأن لهذا الصَّمت قَبْضَتان حَديديتان تَخنقانه.. كُلَّما انقضت ساعة والصَّمت يَتعاضد مع صَخب الهدوء لإغراقهما يَتضاعف الاختناق.. حتى أَنَّهُ الآن أَصْبَح يُعاني في اجتذاب الأنفاس. رُبما لأوَّلِ مَرَّة منذُ زَمن يَطلع عليه صبحٌ كَئيب كهذا.. شَمسهُ باهتة وعَصافيره بَكْماء.. أَصوات السيارات وهي تَقطع الشارع كانت موسيقاه الرَّخيصة.. حتى البَشر يَعتقد أَنَّهم اليوم اعتكفوا في المنازل.. فلا أصوات تَصله.. أَم أَنَّ أُذنَيه قَد أَصَمَّهما الزلزال الذي فَجَّرَ غَضَبَ الياسمين؟ هُو كان يَتَّخِذ الأَرْض مَخْدَعًا له.. مُسْتَنِد بظهره للسَّرير حتى يَتَسَنَّى لهُ مُراقبتها.. ساق مثنية والأخرى مُمددة.. وذراعيه قَد عُقدتا على صَدره. التَفَتَ يَبحث عن هاتفه.. وَجدهُ مُلْقىً بإهمال وَسَطَ السَّرير.. تناوله ونظر للوقت.. التاسعة والربع.. تَنَهّدَ وهُو يَعود بعينيه لها.. أَخْفَضَ الهاتف بجانبه.. شَفتاه مُطْبَقتان، لا يَجْرؤ على النّطق بأيّ شيء.. أَفْصَحَ عن تَنهيدة أُخرى ويَداه تَمسحان وَجهه بجلافة.. ضَيّقَ عَينَيه وبَدأ يرمش بسرعة نتيجة الاحْتراق الذي لَسَعهما.. فهو لَم يَنم مُنذ الأَمس.. والأَيّام السابقة كان نومه فيها مُتَقَطِّعًا ومُرْهِق لجسده وعقله. نَظَرَ لها.. لَم تَتحرّك بَعْد.. وكأنَّها تَجَمَّدت في مكانها.. حتى الموضع الذي تنظر إليه لَم يَتَبَدَّل.. تَنهيدة أُخرى.. وهذه المرة ذاكرته أَعادت عليه مَشْهد البارحة للمَرَّة التي يَجْهل حِسابها.

،

كانت تَسألهُ عن جِرحه.. تُريد أَن تَطمئن عليه.. هل آلمه اليوم؟ هل تساقطت خيوطه؟ هي مَسّته لتَسْأله إن كان سَيَضع عليه الدّواء ويُغَيِّر اللاصق بآخر جَديد بنفسه أَم أَنّهُ يَحتاج لمُساعدتها؟ كانت تُعاين جِرحه وهي تُبْصِر حالته الغَريبة وملامحه المَشْدوهة.. لَم تَكن تَعلم أَنَّ لسانه سَينطق بالذي سَيضرم في قلبها جِرْحًا لا قُعْرَ له.. جِرْحٌ يَمْضي مُسْتَرسلًا في عُمْقه ليَنخر القَلب بلا توقّف.

: أنا قبل شوي ملجت على جنان

طامَّــة وَقعت فَوْقَ رَأسها.. ارْتَجَفت دواخلها ورُوحها ارْتَعدت.. شَعرت ببرودة غَريبة تَلفح جَسدها وتَلسعه.. تلقائيًا يَدها نَفرت عن جبينه، وحواسها انكمشت بِرَيبة من الخَبَر الغَريب عليها.. دارت عَدستاها على وَجْهه تُنَبِّش عن الضِحكة.. فَرُبّما هُو يَمزح.. يُريد أن يُشاكسها ويُخيفها.. نعم هو بالتّأكيد يَمزح.. لكن لا أثر للمزاح.. لا ضِحكة تَتَلقّف شَفتيه ولا لَعِبٌ يُداعب مُقْلَتيه.. إذن هو صادِق!
أَكْمَلَ وهي تُطالعه بحاجِبَين مَعْقودين يَنُمّان عن عَدم الفَهْم: أدري صدمتش.. ومن حقش تعصبين وتهاوشين "وبتبريرٍ رَكيك وبَصره يَتجَنّبها" بـس أنا.. أنا يعني عشان بنتي.. عشان جَنى.. ما أَرضى تتربى عند رجّال غريب.. يعني أقصد.. لو جنان تزوجت
هي.. الواقعة رَهن زَوْبعة سَوداء تُأجِّج في صَدرها الرغبة بالاسْتفراغ.. نَطَقت بنبرة خاوية.. لَم يَنجو فيها سوى اسْتنكارٌ هَزيل..: إنت.. من أول لحظة فكّرت تطلقها فيها.. كنت المفروض تدري إن بيجي يوم وبتتزوج.. وبيجي يوم وبنتك تتربى عند رجّال غريب.. مثل ما إنت تزوجت.. ومثل ما بنتك اللحين قاعدة تتربى عند مراة غريبة!
فَتَح فَمه لِيُعَقِّب.. لكنّهُ ابْتَلَعَ الهواء عِوَضًا عن الحَديث.. فهو لَم يَكُن يَملك تَعقيبًا أَصلاً.. لا كلمات لديه لا أسباب ولا تبريرات أُخرى.. هل يقول لها الحقيقة؟ هل يَشطر قَلْبها إلى نِصْفين؟ أَمِن المُنصف أن يُذْبَح قَلْبها في الليلة التي فيها بُثَّت الرُوح إلى قَلبه؟ تَنَحْنَحَ وبظاهر سَبّابته مَسَّ أَسْفَل أَنفه.. بَلَّلَ شَفتيه قَبْلَ أن يَرْجوها ببحّة: ياسمين... افْهميني
شَخَرت وهي تَبْتسم بتهكّم والرَّجفة تُزَعْزِع ثَبات كَلماتها: أفهمك؟ تبيني أفهمك؟ مثل ما طلبت مني أفهمك بعد رجعتنا من شهر العسل!
نَطَقَ ببعثرة وثقة مُزَعزعة: زواجنا بس جذي.. أنا وجنان أقصد.. بس عشان جنى "كَرّرَ وجَواه يُكَذِّبه" بَـس
هَزَّت رأسها لمرّات مُتتالية وهي تُتَمتم بهمس وبصرٍ مُشيح: بس.. بس عشان جنى.. بس "نَظَرَت إليه وحَريقٌ تَصاعد لَهبهُ من عَدسَتيها وبصرخة قاتلة" بسّـك جذب... بَسّــــك "وَقَفَت وهُجومها يَتَّقِد أَمامه" أنا مو غبيّـة.. أنا مو ساذجة فيصل.. أفهم شنو اللي يدور حواليني.. أنـا "ارْتَعَشَ صوتها وذقنها المُهْتَز غالتهُ غَصّة" أَحبـ ـك.. أَنا أفهمك لأنّي أَحبّــك.. أَعرف عيونك وين تطالع.. أدري عقلك بشنو مشغول.. كلامك وتصرفاتك.. حتى ارتباك أَنفاسك إذا شفتها أو حتى لو انذكر اسمها.. أَقدر أفهمها "أَشارت لِذاتها وعَيْنُها تَصُب الدَّمع أَجاجًا" أنا مو غَبيّـ ـة.. لا تعامليني وكأنّي ما أدري شنو قاعد يصير حواليني "وبحدّة حانِقة" حَتــى هــي.. أدري إنها للحين تحبّك "والازْدراء يَملأ مُقلَتيها ويَغمر صَوتها" ما أستبعد إنكم متفقين عشان ترجعون لبعض.. وحاطين جنى حجّة لكم
وَقَفَ يُقابلها وبتأنيب: ياسمين شهالحجي! يعني شنو متفقين؟ شنو إنتِ ما عندش ثقة فيني؟!
بشراسة: لا.. ما عندي.. ما أثق فيك "كَرَّرَت والبُكاء يَلتهم نَبرتها" ما أثق فيـ ـك.. لأنّ وأنا معـ ـاك.. وايدي بين ايدك.. وإنت عيونـ ـك عليهــا... وأدرري.. إن قلبّك متوجه لها
اسْتعان بتنهيدة لتصفية رُوحه من مُخَلّفات الموقف المُرْمَدة.. وبنبرة حاول أَن يكسوها باللين والهدوء: ياسمين.. أنا متفهم ردة فعلش.. ومن حقش تعصبين وتكسرين الدنيا.. بس أرجوش "أَطْبَقَ كَفّيه لِيُقَرِّبهما من ذقنه" أرجـوش تفهميني ياسمين.. أرجوووش
تَعَلَّقَ بَصَرها به.. لثواني مُرْبِكة لَم يَحْسبها، قَبْلَ أن تهمس بخيبة أمل: ما عندك ولا ذَرّة إحساس.. ولا ذَرّة! معقولة ما تحس! معقـــولة! "اسْتَنكرت ودَمُعها لا ينفك أن يُغرق وجنتيها" إنت واعي للي قاعد تطلبه مني؟ "هاجت بصرخة مخنوقة" إنت واعـــــــي!.. إنت ذَبحتني فيصل.. ذَبحتنـــي.. نَهبت آخر نفس من حلمي اللي عَلقته عليك.. "تَنَشَّقَت والشَّهقات جَعلت مَسير الكَلمات وَعِر" صَبرت.. وصَبـ ـرت.. وصـ ـبرت.. وبدل ما تحيي حلمي "وصوتها يَخبو" نحرته.. بكــل برود.. نحرته "كَفْكَفَت بَقايا الدّمع المُتَشَبّث بنهاية وَجْهها وابْتسامة مَيّتة تَجثو على شَفَتيها، وبسؤال" تبي تعرف بشنو قاعدة أحس؟ تبي فعــلاً تفهم إحساسي؟ "لَم يأتِها جَواب فَأكملت" تخيّل.. حَبيبتك جِنان.. تزوجت.. رجّال غيرك.. صارت له.. زوجته.. بكــل ما للكلمة من معنى.. تحبه ويحبها.. كل ليلة.. في حضنه.. حَلاله
ازْدَرَد ريقه المُتَحَجِّر ثُمَّ ناشَدها بهمسٍ وقَبْضتهُ تَشْتَد بارْتجاف: ياسمين... خَــلاص
تَجاهلته.. جَمَّدته أَمامَ حَواسها وهي تُواصل فَري قَلْبه واسْتباحة غيرته: هو لها.. وهي له.. تحبه وتعشقه.. وتبيك تتفهّم.. تتفهّم حُبها.. تتفهّم بوستها له.. ونومتها على صَــ ــدر.. ه
صاحَ فيها بحدّة حتى أَنّها ارْتَعَشت، وعِرْقٌ كان يُنازِع في عُنقه: خــــلاص.. بـس.. كفاية ياسمين.. كفايــة
سَخَرت وهي حَقيقةً تَسْخر من حالها: عَوّرك؟ حَرقك الحجي؟ عَصر قلبك؟ " أَرْدَفت والْتماعٌ وَسَط مُقْلَتيها يُنَبّئ بولادة دموع جَديدة" إذا إنت تفهّمـ ـتها... أنا راح.. أتفّهمك

,

طَرَدَ زَفْرة ساخِنة تَمادت في لَسع رُوحه.. وَقَفَ والأَلمُ أَسْرع للانقضاض على أَوصاله بسبب جُلوسه الطويل على الأرْضية الخَشبية الصَّلْبة.. تَحَرَّكَ إليها.. وَقَفَ أَمامها يَنظر من عَليائِه لِمَدينتها وهي تَتَهدَّم بصمتٍ مُوْحِش.. هَمَسَ وهُو يَضَع يَده على كتفها: ياسمين
كانت لَحْظة فَقط قَبْلَ أن تَدفر يَده بضراوة كَشَّرت عن أَنيابها من عَيْنيها المُتَّسِعَتين بحدّة.. وبهَمْسٍ صارِم: لا تــلــمــســنــي "والنَّشيجُ يَتَكَسَّر وَسَط صَدرها لِيُخَلِّف وَجَعًا يهرم الرُّوح" لمستـ ـك هذي.. مابيها.. مابي شفقتك.. ما بيــها "تَعَثَّرت بِشَهْقة قاطعتها لِتَكشف عن اسْتعار النَّحيب" اللمسـ ـة... اللي .. كنت أبيهـا.. مو لـ.. ـي.. ولا راح.. تكون لي... كانت.. لهـ ـا.. وللحيــن.. هي.. لهــا... .




تَساءَلت وهي تُرَتِّب الأَطْباق فَوْق الطاولة: مو فَشْلة عازمينها على ريوق؟
هُو الذي كان يُمَشِّط المَكان جيئةً وذهابًا بتوتر أَجابَ باختصار: لا.. عادي
بضحكة وهي تَرى حالته: شوي شوي.. لا يغمى عليك من التوتر
رَنا لها بطرف عَيْنه ولَم يُعَقِّب وقدماه تُواصلان المَسير.. استدارت عائدة للمطبخ لِتجلب الملاعق في الوقت الذي رَنَّ فيه الجرس.. تَوَقَّفَ في مكانه وعَيْناه تَنظران للباب بتوجّس.. عادت وهي تقول: افتح لها الباب
حَرَّك رأسه: لا.. إنتِ فتحيه
أَخفضت الملاعق وهي تنظر لهُ مُسْتنكرة: طَلال شفيك!
كَرَّر وذراعه تَسْتقر خَلف ظهره: إنتِ افتحيه
هَزّت رأسها: على راحتك
خَطَت إلى الباب.. وَضَعت يَدها على المِقبض وقَبْلَ أن تفتحه أتاها صَوته المُعْترض: لاا لحظة
التَفَتت إليه: شنــو؟
سَألَ نفسه بحيرة ويده ترتفع لذقنه: اقعد.. لو أتم واقف؟
اعْتلى حاجِباها بتعجّب: طَــلال! شنو الفرق يعني؟
بإصرار: يفرق يفرق
بجديّة وهي تخفض صوتها: طلال عيب نخلي المراة تنتظر أكثر.. بفتحه
حاولَ سَريعًا أن يَختار بين الجُلوس أو الوقوف لكنَّ فتحها للباب كان أسرع.. لذلك تَسَمَّر في مكانه وعَيناه تَصطدمان مُجَدًّدًا بعينيها المُهاجِرَتَيْن.. هل انْقَطع عنهُ النَّفس.. أَم أنَّ الزَّمن تَوَقَّف سامِحًا له بالعودة إلى آخر لقاء بينهما؟ تَأمَّلها بدقّة وهي تُسَلِّم على نُور المُرَحِّبة بها بحفاوة.. براءة الطفولة حَتْمًا وَدَّعت ملامحها.. عَيْناها يعتقد أَنَّهما كتلك العَيْنين، الشكل ذاته واللون ذاته أَيضًا.. أنفها وشَفتيها.. تغيّرات بسيطة يُرْغمك الزَّمن على التَّكيف معها.. شعرها يبدو جَيِّدًا أَنَّ الأَصْباغ لَم تكف عن زيارته.. لا يتذكر لونه تَحديدًا.. ولكن في الوَقت نفسه لا يعتقد أَنَّ هذا هو لونه الحَقيقي.. كانت بَشرتها فقط التي احْتَفَظَت بأصلها.. لَوْنها ومظهرها.. بياضٌ قُطني تُلاطفه بتلات وردية باهتة. فاتن أَيضًا على الجهة المُقابلة كانت تُعاينهُ وتَتَفحصّه.. الاخْضرار باتَ رَماده قانِيًا.. كَما لَو أَنَّ رُوحه اقتات على النار لسنوات حتى لَفَظت رَمادها من عَيْنيه. خصلات شعره غَفى بينها شَيْبٌ يَدحض عُمر الشَباب.. وبَين الملامحِ قَد انْطوت خُطوط تَتكئ فوقها كلمات لا تُرى ولَكن تُحَس.. يبدو أَنَّ الحياة أَرْهَقتكَ أخي. انتبهت لصوت نُور.. التَفَتَت إليها وهي تقول بابْتسامة: شفيكم جذي جامدين؟ سلموا على بعض.. اسألوا عن حال بعض
ابْتَسَمت لها بِشَفَتَيْن مُرْتَعِشَتَين قَبْلَ أن تَعود لأخيها.. ضَغَطَت على يَديها المُتَشابِكَتيْن الموازيتين خصرها.. تَقَدَّمت خطوة ونَبَضاتها تَكاد أَن تَقْتلع حجرات قَلْبها.. وبالكاد اسْتطاعت أَن تَتبعها بخطوة ثانية.. تَوَقَّفَت في منتصف الطَّريق.. لذلك هُو تلقائيًا؛ سَيَّرتهُ فِطْرته لها.. قابلها والمَسافة بينهما قَد تَقَلَّصَت حتى أَنَّها لاحظت جِرح ذقنه.. مَرَّرَ عَدَسَتيه على وَجْهها فالْتوى في الجَوى عِرْقٌ لازمهُ الشَّوقٍ لثلاثون عامًا.. فَطيفُ أُمِّه قَد لَوَّح له.. ها هي ملامحها كما كانت، تحتفظ بتقاطيع وَجْه أُمّه المُسالِم. تَرَدَّدت الغَصَّة في حَلْقه وَوَسط المُقْلَتين انَبَجسَ دَمْعٌ مُتُلَألئ.. وبهمسٍ مَبْحوح مُبْتَسِم: فاتـــن!
رَدَّت وفَيْض رُوحها عانق وَجْنتيها: حَبيـبي أخــوي
أَحاطها بذراعيه لِيَحْتضنها بِحَنانٍ أُخَوي تَراكم عليه الغُبار لأعوام.. احْتَضَنها ومن عَيْنه عَبَرت دَمْعة رَبَّتَت على كَتفها المَخْلوع سَنَده.. تَصاعَد نَحيبُها وهي تَسْتنشق من صَدره عَبَق الأُخوَّة المَحْرومة.. شَدَّت نَفْسَها إليه وهي تَغمض.. وبإغماضها تَتَمنى لَو تَنطوي في مَخْدع حُضنه.. لا غُربة.. لا انتهاك طُفولة.. لا ظُلم.. لا دَمٌ ولا فَقد. نُور تَرَكت غُرْفة الجُلوس وهي تُصْمِت شَهْقة في قَلْبها.. لا تُريد أن تبكي أَمامهما.. وكذلك تُريد أن تَمنحهما مَساحة. اسْتَمَرَّ بُكاء فاتن لدقائق قبلَ أن ينتقلان للجلوس على إحْدى الأرائك.. لا تزال عَيناها تنزفان.. والشهقات بين الفينة والأخرى تَثِبان من صَدرها.. لكنَّ النَّحيب خَبى.. وبَدأ الاثنان يَتكاشفَان ويَتبادلان حِمْل أَثْقالٍ أَحنت كاهليهما. مَضَت قُرابة النصف ساعة وهُما يَتحَدَّثان.. لذلك تَساءَلت وهي تَبحث بعينيها: وين راحت زوجتك؟
رَفَع رَأسه باسْتيعاب ثُمَّ قال: يمكن في المطبخ "علا صَوْته قليلاً" نُــور؟ "كَرَّرَ" نُـور؟
وَصَلهُ صَوْتها الذي أَتبعهُ وَجْهها الملفوح بحُمْرة باهِتة: اهـني طلال "وَضَّحت بابْتسامة وهي تَبْتعد عن المطبخ إلى حيث يَجْلسان" كنت أبيكم تاخذون راحتكم
جَلَست على الأَريكة المُقابِلة لهما في الوقت الذي اسْتَفسرت فيه فاتن بابْتسامة: من متى متزوجين؟
أَجابَ طَلال وعَيْناه تَتطَلَّعان لنُور بِبريقٍ جَلي: تونـا جم شهر.. ما صار لنا سنة "اسْتَطَردَ وهُو يُومئ لها بابْتسامة" وعقب ست شهور بيصير عندنا أول طِفل
اتَّسعت ابْتسامتها: ما شاء الله.. الله يتمم عليكم
عَقَّبَ ولَم تَفته لَمحة الخَجل التي لاطَفت خَدَّي زَوجته: يا رب
عَلَّقَت فاتن بحذاقة: شكلك أخذتها بعد قصة حُب خُرافيّـة
أَفْصَح عَن تَنهيدة وهُو يَتَصَنَّع الإرهاق: ايــه والله صدقتين
ضَيَّقَت عَيْناها لتقول بتردّد: بس شكله.. بينكم فرق بالعمر؟
أَكَّدَ: اي.. تقريبًا اثنعش سنة
ارْتَفع حاجِباها: وي صَغنّونة يعني! "وبسؤال" جَم عمرش اللحين؟
أَجابت: تسعة وعشرين
تَعَلَّقَ بصرها بها بشرود للحظات، قَبْلَ أن تبتسم بشحوب وتهمس: نفس عمر بنتي.. حَنان
اسْتَطَرَد طَلال سَريعًا ويَده تُعانق يَدها بموَدّة: فاتن، ترى في أَمل إنها تكون عايشة "ازْدَرَدَ ريقه وهو يَنتقل بعدستيه لنُور التي هَزَّت رَأسها بخفّة تَنهاه عن المُواصَلة.. لذلك ابْتَلَع كلماته لِيُرْدِف بهدوء" لا تفقدين الأمل.. يعني هو في النهاية أبوها.. مو معقولة يكون ضرها!
شَرَحت له وأَناملها تَمس جانب جَبهتها بوَهن: إنت ما تعرف سلطان يا طَلال.. هذا قلبه صَخر، صَخر.. ما يفرّق بين صديق ولا عدو.. ما يهمه اللي قدامه أمه لو أخوه لو بنته.. مدام هالشخص يشكّل خطر عليه أو يضايقه.. فهو يتخلّص منه بدم بارد
بلطفٍ دافئ عَقَّبت نُور: بس بعد لا تفقدين الأمل.. ما بنقول تعلقي فيه.. بس بعد لا تعطين احتمال موتها النسبة الأكبر
تَمْتَمت بهمس: إن شاء الله.. إن شاء الله "اسْتَطَردت بعد نصف دَقيقة بسؤال مُفاجئ" أقول طلال.. ليش ذيك المرة طردتني؟ بكل دفاشة طردتني ورميت عَلَي كلام غريب!
ناظرها بصدمة.. لَم يَتَوَقَّع سؤالها أَبَدًا.. ضَحَكَت عندما رَأت كَيف اعْتَلت ملامحه أَمارات الخوف.. عَلَّقَت نُور: شكلها فيها عِقاب
بادلتها فاتن الضحكة وهي تقول: لا ما بعقابه.. بس أبي أعرف السبب "وهي تعود إليه وبتأنيب" زين إنّي ما طحت وتكسّرت من دفعتك لي "رَفعت إصْبعها أَمام وجهه" وترى كنت ما بسامحك لو انكسر القارب.. لأنّه كان الذكرى الوحيدة منّك واللي آنستني في وحدتي
بِشَفَتين مُطْبَقَتين حَرَّك بصره لزوجته كما لو أَنَّه يستنجد بها.. ابْتَسَمت لهُ باسْتفزاز ثُمَّ قالت وهي تقف: أنا بروح أجيب الأكل
انْكَمَشَت ملامحه والشعور بالذنب يُشاكسه.. التَفَتَ لفاتن التي أعادت السؤال: ليش طردتني؟
بَلَّلَ شَفتيه وهو يُرْخي بَصره.. قَبَضَ يُمْناه ثُمَّ فَضّها.. رَفَعَ عَيْنيه لها.. تَأَمَّلها لثواني قَبْلَ أن يَهمس بنبرة ناقِعة في الحَرج: أنـا من قبل.. ما كنت أتقبلش.. من أول ما بدأت علاقتش مع رائد
تَعَجَّبت: ليــش!
بتوضيح وهو يُشيح عنها: صراحة ما كنت أتقبّل لبسش.. وطريقة كلامش وجُرأة تصرفاتش.. فكنت ناكر بشدة حقيقة كونش إختي "وبهمسٍ حَرِج" آسـف
تَنَهَّدت براحة وهي تُعَقِّب: ما يحتاج تعتذر "وَضَّحَت عندما رأت اسْتنكاره بين عُقْدة حاجبيه".. أصلاً أحمد ربي إن هذا السبب مو شي ثاني.. يعني مو مثلاً ما تقدر تتأقلم معاي بعد هالسنين.. وتعودت على غيابي وما تبيني أزعج حياتك "مَرَّرَت لسانها على شَفتيها وهي تُرْجِع خصلاتها خلف أذنيها لتُفصح بصدق" طَلال أنا مو راضية عن لبسي هذا.. بس أنا تعودت على جذي.. تربيت على جذي.. أتمنى أتغيّر.. بس صعب في يوم وليلة يصير هالتغيّر.. أما بخصوص جرأتي وتصرفاتي "بابْتسامة مُنْكَسِرة ورأسها يَميلُ قَليلاً" فأنا اضطريت أتقمص هالشخصية.. اضطريت أتكيف معاها خلال تنقلاتي من بلد لبلد.. كنت أبي أهرب من نفسي.. من فاتن الضعيفة اللي شافت عايلتها الصغيرة وهم معلقين ذبايـ ـح "هامَ الحُزن وَسط مُقلتيها وهي تُكْمِل" كنت أبي أنسى نفسي وخوفي وقلة حيلتي.. عشان أقدر أواصل حياتي وأواجه سلطان النّذِل "حرَّكت كَتفيها وبضحكة مبحوحة" أنا بعد ما أحب فاتن هذي وما أتقبلها.. بس لولاها ما كنت قدرت أعيـ ـش لهذا اليوم
ابْتَسَمَ لها ابْتسامة بائِسة وعَطوفة ثُمَّ قَبَّل رأسها بخفّة.. قَرَّبها منه لِيَرتاح رأسها فَوْقَ سِكّة كَتفه الحَنونة.. حيثُ مَضَت بها الدّنيا بعد رحلة فَقد طَويــلة... وبهمسٍ عاضَدها: أنـا راح أكون معاش وراح أساعدش تسترجعين فاتن الأولية





يتبع




 توقيع : عذبة المعاني





في قُلوبنا غصّة تخفى عن الناس
ولا تخفى عليك ياربّ .
اللهم انصر أهلنـا في غزة واخمد النار التي تتأجّج فينا مع
كُل ضربة تطال مقدّساتنا وأهلنا هناك، اللهم استودعناك
غزة، سماءها وأرضها، رجالها ونساءها، أطفالها
وشبابها، وكل شبر فيها يا قويّ يا عزيز.







مواضيع : عذبة المعاني


رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ عذبة المعاني على المشاركة المفيدة:
    قديم 02-04-2020, 03:17 AM   #2


    الصورة الرمزية عذبة المعاني
    عذبة المعاني متواجد حالياً

     
     عضويتي » 895
     اشراقتي » Oct 2018
     كنت هنا » اليوم (05:31 AM)
    آبدآعاتي » 1,884,171[ + ]
    سَنابِل الإبْداع » [ + ]
    هواياتي » عَيْنَاهُ والرَُوْحُ سَوَاءَ .
     اقامتي »  عَبِق الْيَاسَمِين . 🤍
    موطني » دولتي الحبيبه Palestine
    جنسي  »
    مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
     
    مزاجي:
     MMS ~
    MMS ~
     الاوسمة »
    وسام مصمم محترف وسام انفاس الياسمين وسام الرد المميز وسام مشارك بيوم التأسيس السعودي 
     
    افتراضي رد: ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 57 الفصل الأول




    لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
    فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
    اسم العضوية
    كلمة المرور


     
    مواضيع : عذبة المعاني



    رد مع اقتباس
    الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ عذبة المعاني على المشاركة المفيدة:
    قديم 02-04-2020, 03:22 AM   #3


    الصورة الرمزية Queen♚
    Queen♚ متواجد حالياً

     
     عضويتي » 516
     اشراقتي » Dec 2017
     كنت هنا » يوم أمس (04:22 PM)
    آبدآعاتي » 17,083[ + ]
    سَنابِل الإبْداع » [ + ]
    هواياتي »
     اقامتي »  
    موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
    جنسي  »
    مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
     
    مزاجي:
     الاوسمة »
    وسام وسام وسام وسام 1 
     
    افتراضي مرحبا بك في منتديات عبق الياسمين!




    لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
    فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
    اسم العضوية
    كلمة المرور


     

    رد مع اقتباس
    قديم 02-04-2020, 04:23 AM   #4


    الصورة الرمزية رفيق الالم
    رفيق الالم غير متواجد حالياً

     
     عضويتي » 1319
     اشراقتي » Jul 2019
     كنت هنا » 26-03-2024 (01:49 AM)
    آبدآعاتي » 532,608[ + ]
    سَنابِل الإبْداع » [ + ]
    هواياتي » الشعر والخواطر
     اقامتي »  الجيزة
    موطني » دولتي الحبيبه Egypt
    جنسي  »
    مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
     
    مزاجي:
     MMS ~
    MMS ~
     الاوسمة »
    وسام وسام وسام وسام 
     
    افتراضي رد: ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 57 الفصل الأول




    لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
    فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
    اسم العضوية
    كلمة المرور


     
     توقيع : رفيق الالم














    رد مع اقتباس
    قديم 07-04-2020, 01:19 AM   #7


    الصورة الرمزية إحساس إنسان
    إحساس إنسان غير متواجد حالياً

     
     عضويتي » 1043
     اشراقتي » Jan 2019
     كنت هنا » 01-10-2023 (03:34 PM)
    آبدآعاتي » 246,624[ + ]
    سَنابِل الإبْداع » [ + ]
    هواياتي »
     اقامتي »  
    موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
    جنسي  »
    مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
     
    مزاجي:
     الاوسمة »
    وسام حرف جليل وسام وسام وسام 
     
    افتراضي رد: ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 57 الفصل الأول




    لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
    فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
    اسم العضوية
    كلمة المرور


     

    رد مع اقتباس
    قديم 11-04-2020, 01:33 AM   #8


    الصورة الرمزية عبير الليل
    عبير الليل متواجد حالياً

     
     عضويتي » 39
     اشراقتي » Feb 2017
     كنت هنا » اليوم (05:06 PM)
    آبدآعاتي » 3,301,151[ + ]
    سَنابِل الإبْداع » [ + ]
    هواياتي » كتابة الشعر والخواطر # التصوير
     اقامتي »  قلب أبي
    موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
    جنسي  »
    مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
     
    مزاجي:
     MMS ~
    MMS ~
     الاوسمة »
    وسام المئوية الثالثة بعد المليون االثالثة وسام صور رمضانية المئوية الثانيه بعد الثلاثه مليون وسام فخامة شيف 
     
    افتراضي رد: ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 57 الفصل الأول




    لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
    فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
    اسم العضوية
    كلمة المرور


     
     توقيع : عبير الليل




    لااحلل نقل مدونتي وكتاباتي ..
    كونوا اسمى من ذلك آحبتي ]





    نحن وإن جار الزمان لبرهة.. نبقى الكبار وغيرنا أقزام
    ما ذنبنا إن كان يشعر أننا أرقى.. وأن مكانه الأقدام






    رد مع اقتباس
    قديم 28-05-2020, 10:36 PM   #10


    الصورة الرمزية حكآية روح
    حكآية روح غير متواجد حالياً

     
     عضويتي » 106
     اشراقتي » Apr 2017
     كنت هنا » 08-09-2021 (03:34 AM)
    آبدآعاتي » 719,463[ + ]
    سَنابِل الإبْداع » [ + ]
    هواياتي »
     اقامتي »  
    موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
    جنسي  »
    مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
     
     MMS ~
    MMS ~
     الاوسمة »
    وسام وسام وسام وسام 
     
    افتراضي رد: ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 57 الفصل الأول




    لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
    فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
    اسم العضوية
    كلمة المرور


     
     توقيع : حكآية روح





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع ¬ آلمنتدى ✿ مشاركات ¬ آخر مشآرگة ✿
اللون والأثر النفسي غرآم الروح عبق تطوير الذات ✿ 26 19-12-2023 04:08 AM
أبو الهول .. وحش من حجر يشهد على تاريخ مصر ..! جوري عبق التراث والآثار ✿ 18 12-12-2023 09:52 PM
أسباب النوم الثقيل وطرق العلاج حكآية روح عبق الطـب الحديث والصحة العامة✿ 15 06-12-2023 09:02 PM
تصاميم غرف النوم الكلاسيك فائقة الروعة رفيق الالم ديكــور وأثـآث ✿ 24 25-08-2023 01:14 AM
تصاميم غرف النوم الإيطالية المودرن مـخـمـلـيـة ديكــور وأثـآث ✿ 36 05-04-2023 04:44 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 05:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.