ننتظر تسجيلك هـنـا

الأدارة ..♥ مَملكتنا مَملكة الياسمين، يلتهبُ الشجنُ ويَثْمِلُ الحرفُ بالآهات ، حروفُنا الخالدةُ كفيلةٌ بأنْ تأخُذَكم إلى عَالمِ السَحَر ، تَحْدِي بِكُم وتَمِيلُ فهي مميزةٌ بإدخالِ الحبِّ إلى القلوب ،ولكي لا تتَعرَضَ عُضويَّتكَ للايقافِ والتشهيِّر وَالحظر فِي ممْلكتِّنا .. يُمنع منْعاً باتاً تبادل اي وسَائل للتواصل تحْتَ اي مسَّمئ او الدَّعوه لمواقعِ اخْرى ، ولكم أطيب المنى ونتمنى لكم وقت ممتع معنا

❆ فعاليات عَبق الياسمين ❆  


العودة   منتديات عبق الياسمين > ..::ღ♥ღ عبق المنتديات الإسلامية ღ♥ღ ::.. > عبق الفتاوى الاسلامية الموثوق فيها ✿

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 24-09-2023, 09:28 PM
سمو المشاعر غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 2656
 اشراقتي » Jan 2023
 كنت هنا » 22-10-2023 (08:46 AM)
آبدآعاتي » 17,841[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
موطني » دولتي الحبيبه
جنسي  »
مُتنفسي هنا »  صوري  مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 
افتراضي ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟



السؤال
أولا انا مؤمن بوجود الله ولكني بدأت اميل الى فكرة الالحاد كنوع من التمرد عليه لأنني لم افهم الحكمة من خلقنا الا وهي عبادته أرى ان هذا مجرد حكاية من القصص الخيالية!
انا باختصار حاصل على الترتيب الأول في دراستي من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الثالث الثانوي التي كان ختامها مسك بحصولي على الترتيب الثالث على مستوى الجمهورية من بين اكثر من نص مليون طالب .
كان لدي العلم والمال وأُخذت مني صحتي بأمراض شبة مزمنة ثم بعد سنة انقلبت حالي ورُدت إلي صحتي وأُخذت مني قدرتي على التحصيل الدراسي والاستقرار المالي وقريبا سأطرد من الجامعة لكلا السببين
سؤالي هو :ما فائدة عبادتنا بالنسبة لله اذا كان هذا هو حقا الحكمة من خلقه لنا؟
الجواب
الحمد لله.
أولًا:
إن طبيعة الدنيا الابتلاء، وما لم يوطّن المؤمن نفسه على ذلك، ويتخذ الصبر عدة له، فسوف ينغّص على نفسه حياته، ويضيّع عليه أجره، ثم لا يكون شيء إلا ما قدر الله؛ فمن لم يصبر صبر الكرام، سلا سُلُوَّ البهائم، والناس كلهم لا يخلون من البلاء، والامتحانات، والاختبارات، وتلك طبيعة هذه الحياة الدنيا.
قال الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا الإنسان/1-3.
وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الملك/1-2.
والمؤمن أمره كله له خير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له أخرجه مسلم(2999).
وقد أمر الله سبحانه بالصبر فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ آل عمران/200.
وجعل سبحانه وتعالى للبلاء والصبر عليه أجرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها أخرجه البخاري (5640)، ومسلم(2572).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة أخرجه أحمد(1481)، والترمذي(2398)، وقال: "حسن صحيح".
وينظر هنا موقف المؤمن من الابتلاء: (71236)، وينظر هنا فضل الصبر: (35869)، وهنا الحكمة من الابتلاءات: (35914).
ثانيًا:
بخصوص سؤال: لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى، فهذا السؤال متعلق بحقيقة الذات الإلهية في صفاتها وأفعالها، فهو بعيد عن الجدل الإلحادي حول وجود الله سبحانه وتعالى؛ فإنه ينطلق من التسليم بوجود الله الخالق، جل جلاله، لكنه، رغم ذلك، ينتقل إلى أن يتساءل عن الحكمة والغاية من خلق الله للبشر.
ومن كان "جادا" في السؤال "الغاية" من الخلق"، متطلعا لمعرفة "الحكمة"؛ فينبغي أن يكون الجواب عن ذلك: بدهيا، أوليا؛ أوليُّا أوليةَ الإيمان بإله خالق، معبود مطاع، وهذا من أوضح سؤال، وأظهره في حس المؤمن – حقا – برب العالمين: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام/162-165
وقد جاء النص بأصرح عبارة، وأوضح بيان على هذه الحكمة من خلق الله للإنس والجن، وأن عائدة ذلك إنما هي للمخلوقين، ومنفعتها لهم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ الذاريات/56-85
فمن عبد، وشكر، تنعم بعبادته لرب العالمين ... ومن كفر، فلن يضر إلا نفسه، والله غني عنه، وعن عبادته:
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ آل عمران/97.
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ الزمر/7
وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ سبأ/40
إن "العبد" حقَّ العبد، هو الذي يحتاج إلى عبادة مولاه، فوق حاجته إلى طعامه، وشرابه، بل فوقه حاجته إلى نفَسه وروحه التي بين جنبيه:
يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ فاطر/15-18
هذا، إن كان طالب الحكمة "مؤمنا" حقا بأن له ربا، خالقا، إلها، معبودا، غنيا حميدا؛ وإلا، فالملحد لا سؤال له هنا، متى كان "جادا" حتى في "إلحاده"، فليبحث له أولا عن رب يعبده، ويعرفه
وهذه القضية من القضايا الكبيرة التي كثر الحديث حولها في الفكر الديني قديما وحديثا فهي ليست وليدة عصرنا.
وهذا الدين هو الوحيد الذي يقدِّم بنموذجه المعرفي، جوابا كاملًا متِّسقا عن هذه الأسئلة، إذ تميز عن غيره بامتلاك شقَّي الجواب، المادي والغيبي، وجمع في رسالته نوعَي الخطاب العقليَّ والنقلي.
لقد أخبرك هذا الدين عن الخالق الذي أبدع الكون على هذا النظام الباهر، وعن سبب خلقك أيها الإنسان، وأنت أجلُّ مخلوقاته وأكرمها عليه سبحانه، فقد نفخ فيك من روحه، وسخر لك كل شيء: أَلَمۡ تَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم  مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَةࣰ وَبَاطِنَةࣰۗ لقمان/20؛ أكرمك، وخلقك فأحسن خلقك، وسخر لك ما في السموات وما في الأرض جميعا منه؛ لتؤدي حقَّ شكره وتعبده كما أمرك، ثم جعل الواسطة بينه وبينك الرسل الكرام المُوحى إليهم بالشرائع المفصَّلة، ووكّل إليهم هدايةَ عباده إليه، وتعريفَهم به، وبيانَ حقه عليهم من العبادة والخضوع، وإعلامَهم حقيقة هذه الدنيا، وأنها موطنُ بلاءٍ ودارُ تمحيص، يَمتحن بها من يؤمن به ويستجيب له فيُفلِح، ومن يستكبر عن عبادته ويأبى إلا اتباع هواه.
وهذا السؤال من الأسئلة الملحة التي لها بواعث كثيرة فقد تصدر من متشكك، أو متألم ضاقت به الحياة، أو متسائل عن جدوى العبادة فتسلسلت به الأسئلة، غير أن القدر المشترك بين بواعث السؤال هو الغفلة عن باب عظيم من أبواب الدين، وهو باب معرفة أسماء الله وصفاته، أو الغفلة عن معنى العبادة؛ فكثيرا ما ينشأ الغلط في تصور هذه المسائل الكبيرة عن الخلل في تصور طبيعة الوجود الإلهي، والغفلة عن طبيعة الصفات الإلهية، وكيفية التعامل معها، أو الغفلة عن تصور معنى العبادة، فمتى غفل الانسان عن أحد هذين المعنيين، فَقَدَ معنى الحياة، وكلما ضاقت عليه مسالك الحياة، وجد السخطُ على أقدار الله إلى قلبه سبيلا، وإذا أراد التماس آثار حكمة الله في الموجودات وآثار رحمته لم يجد علما يساعده على التفكر والتأمل في آيات الله.
ثالثا:
سوف نحتاج هنا أن نقدم بثلاث مقدمات تأسيسية مهمة، قبل أن نتكلم عن شيء من الحكم المتعلقة بخلق الله سبحانه وبحمده للكون بما فيه.
المقدمة الأولى: أن الله متصف بالكمال المطلق:
وعليه؛ فالمؤمن كما أنه يؤمن بوجود الله وأنه الخالق للكون، فإنه يؤمن مع ذلك بأن الله متصف بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، فالمؤمن يعلم أن الكمال ثابت لله، بل الثابت له أقصى غايات الكمال؛ وهناك تلازم ضروري بين الإيمان بوجود الله، وبين الإيمان بثبوت الكمال المطلق له، فكل من آمن بوجود الله، فإنه يلزمه أن يؤمن بالكمال المطلق له؛ وإلا؛ فما يكون قد عرف الله أصلا، فضلا عن أن يكون قد آمن به؛ إذا تطرق إليه توهم النقص في أمر الله جل جلاله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
" وثبوت معنى (الكمال): قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة، دالة على معاني متضمنة لهذا المعنى. فما في القرآن من إثبات الحمد له، وتفصيل محامده، وأن له المثل الأعلى، وإثبات معاني أسمائه ونحو ذلك: كله دال على هذا المعنى.
وقد ثبت لفظ (الكامل): فيما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير: قل هو الله أحد * الله الصمد: أن (الصمد) هو المستحق للكمال، وهو السيد الذي كمُل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحَكَمُ الذي قد كمل في حُكْمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الشريف الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه وتعالى. وهذه صفة لا تنبغي إلا له، ليس له كفؤ ولا كمثله شيء. وهكذا سائر صفات الكمال. ولم يُعلم أحد من الأمة نازع في هذا المعنى؛ بل هذا المعنى مستقر في فطر الناس؛ بل هم مفطورون عليه؛ فإنهم كما أنهم مفطورون على الإقرار بالخالق؛ فإنهم مفطورون على أنه أجل، وأكبر، وأعلى، وأعلم، وأعظم، وأكمل: من كل شيء". انتهى، من "مجموع الفتاوى" (6/72).
والأصول الدالة على الكمال المطلق لله كثيرة:
منها: أن كمال الله تعالى من ذاته لا من أحد سواه، فإنه سبحانه مستغنٍ عن كل شيء، وكلُّ شيء مفتقر إليه، وما كان من ذاته فهو ملازم له.
ومنها: أن كمال الله متعلق بحكمته البالغة، التي لا يعلمها إلا هو؛ فخلق الله لما شاء خلقه، في الوقت الذي شاءه: هو الكمال الذي لا نقص فيه بوجه. وفعل الله جل جلاله، لما شاء فعله، في الوقت الذي شاء فعله، هو الكمال الذي لا نقص فيه بوجه. وعدم خلق الله لما لم يشأ خلقه في وقت، أو إعدامه لخلق موجود في خلق، وعدم فعله للأمر المعين، في الوقت الذي لم يشأ فعله فيه: كل ذلك هو الكمال المحض، الذي لا نقص فيه ولا عيب، ولو من وجه بعيد!! ففعله هو الحكمة والكمال، وعدم فعله كذلك: هو الحكمة، وهو الكمال. سبحانه: ( وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) الرعد/16.
يقول ابن القيم رحمه الله: "فالقدرة إن لم يكن معها حكمة، بل كان القادر يفعل ما يريده بلا نظر في العاقبة، ولا حكمة محمودة يطلبها بإرادته، ويقصدها بفعله: كان فعله فسادا، ... وكذلك العلم كماله أن يقترن به الحكمة؛ وإلا فالعالم الذي لا يريد ما تقتضيه الحكمة وتوجبه بل يريد ما يهواه سفيه غاوٍ، وعلمه عون له على الشر والفساد ... والمقصود: أن العلم والقدرة المجردين عن الحكمة لا يحصل بهما الكمال والصلاح، وإنما يحصل ذلك بالحكمة معهما. واسمه سبحانه (الحكيم): يتضمن حكمته في خلقه وأمره، في إرادته الدينية والكونية؛ وهو حكيم في كل ما خلقه، حكيم في كل ما أمر به" انتهى، من "طريق الهجرتين" (1/233) ط عطاءات العلم.
المقدمة الثانية: الكمال الإلهي يستحيل على المخلوق الإحاطة به:
فالمؤمنون مع إيمانهم بثبوت الكمال المطلق لله، فإنهم في الوقت نفسه يؤمنون بأنه يتعذر عليهم الإحاطة بما ثبت لخالقهم من كمال وجلال. وإيمانهم بهذه الحقيقة ليس قضية عاطفية أو تسليمية مجردة، وإنما هو قائم على أصول وبراهين عقلية يقينية، توجب عليهم الإقرار بالعجز عن العلم بكمال الله وقدرته، ومن تلك الأدلة:
منها: عجز الإنسان عن الإحاطة بالكون، وأن العلوم على تقدمها لم تدرك إلا القدر اليسير منها، ومازال الكثير منها غامضا، هذا والكون فعل من أفعال الله؛ فكيف يمكن للمخلوق أن يحيط علما بالخالق وبكماله سبحانه وتعالى؟ فعجزهم عن ذلك أشد وأبعد.
ومنها: أن الإنسان يعتمد في كثير من تفاصيل حياته على أقوال الخبراء والعلماء، ويأخذ بذلك وهو مطمئن النفس، ويعد سلوكه هذا مقبولا عند عامة العقلاء، ولو أن إنسانا عمد إلى الخروج عن هذا النهج، وقرر ألا يأخذ بشيء في حياته إلا إذا علم تفاصيله، لكان خارجا عن مسالك العقلاء، داخلا في الجنون والسفسطة. وفي إشارة إلى هذا المعنى يقول العلامة المُعلمي اليماني رحمه الله: "وكثير من الأحكام يحصل المقصود بالعمل بها، ولا يُحتاج إلى العلم بوجه حكمتها، وقد يكون العلم بوجه الحكمة يفتقر إلى صرف مدة طويلة من العمر. ومثل ذلك مثل الطبيب والمريض.. ليس على الطبيب إلا إعطاء المريض الدواء المناسب، وليس عليه أن يشرح له حقيقة المرض وأسبابه، وسبب تأثير الدواء، لأن هذا يطول، ويُتعب من غير فائدة. وبِحَسْب المريض أن يعلم أن الذي أعطاه الدواء طبيب ناصح، والعلم بذلك لا يحتاج إلى استقراء مستغرق. ولو قال المريض لا آخذ الدواء حتى تشرح لي حقيقة المرض وأسبابه، وحقيقة الدواء وتأثيره: لعد أحمق الناس ولطرده الطبيب" انتهى، من "حقيقة التأويل" (ص26)، فإذا كان هذا هو حال المخلوق مع علم المخلوقين أمثاله فكيف يمكن أن يكون حاله مع علم الله وكماله وحكمته؟
فهذه المعاني من أهم المعاني التي يقوم عليها الإيمان بوجود الله، والتصديق بكماله المطلق، ويستند إليها خضوع المؤمن لربه وخالقه، ومن لوازم الإقرار بهذه المعاني أنه لا يصح في العقل ولا في المنطق أن يعترض الإنسان على أفعال الله وتدبيره للكون، ولا يحق له أن يجعل نفسه مضادا لله تعالى؛ وإنما غاية ما يمكن له فعله أن يتساءل عن أفعال الله، فإن عجز عن فهمها أو إدراك حكمتها فإنه يجب عليه التسليم والإذعان لخالقه سبحانه.
وفي إشارة لطيفة يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ينبغي للعاقل ألا يمكن عقله من الاعتراض على الله في أفعاله، ولا يطلب لها علة؛ فقد ثبت أنه مالك حكيم، فإذا خفي علينا وجه الحكمة، نسبنا العجز إلى فهومنا".
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (296079)
والإنسان إما أن يُقر بكل كمالات الله التي يقتضيها كونه خالقا للكون، ومبدعا له، وإما أن ينكر الإنسان كل كمالات الله وصفاته؛ وهذا الموقف لا يمكن أن يستقيم مع الإقرار بخلق الله للكون، وإنما هو موقف الإلحاد والضلال، ومن يقف هذا الموقف لا يصح أن يكون الحديث معه في طبيعة الصفات الإلهية وإنما لابد أن ينتقل إلى أصل إثبات وجود الله، والدليل على غناه وكماله.
وإما أن يقر الإنسان ببعض كمالات الله وينكر بعضها؛ فهذا أشد تناقضا في العقل وأبعد عن منهج التفكير الصحيح.
والمقدمة الثالثة، والأخيرة: عن معنى العبادة، والتي أنبأنا الله أنها غاية خلقنا، قال تعالى: وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ الذاريات/56، رجح إمام المفسرين الطبري -رحمه الله- قول ترجمان القرآن، سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما-: أي ليقروا لي بالعبادة طوعا وكرهًا.
فالعبادة إذن على وجهين:
1- وجه قهريّ اضطراري لا يملك الإنسان له دفعا عن نفسه، فهو مقهور بتلك العبودية مقرٌّ لربه بها، شاء أم أبى، فهذه العبودية لا ينكرها إلا جاحدٌ، منكِر لنفسه مُبطِل لعقله. قال الله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ آل عمران/83، وقال تعالى أيضا: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ الرعد/15.
2 - وجه اختياري، وهي التي تسمو بك، وترقى من مقام الاضطرار إلى مقام التسليم والاختيار، كما عبر الشاطبي إمام المقاصد فقال: "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه؛ حتى يكون عبدا لله اختيارا، كما هو عبد لله اضطرارا" انتهى، من "الموافقات" (2/289).
وقد خاطب الله نبيه الأكرم ﷺ بهذا اللقب، على هذا الوجه، في أشرف المقامات، ففي مقام الوحي تَبَارَكَ ٱلَّذِی نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ الفرقان/1، وفي مقام التحدي والإعجاز: وَإِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُوا۟ بِسُورَةࣲ مِّن مِّثۡلِهِ البقرة/23، ومقام الإسراء: سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِ الإسراء/1، وهذا مقام الدعوة: وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ یَدۡعُوهُ الجن/19.
فعبوديته ﷺ أكمل العبوديات، وبها استحق أعلى المقامات، ونال الوسيلة والفضيلة واختص بالشفاعة.
ومن مقتضيات هذه العبودية الخضوع والانكسار والذل لكبرياء خالقه، المتفرد به دون خلقه، الذي من نازعه إياه قذفه في النار.
رابعا:
وأما عن الجواب عن سؤال: (لماذا خلقنا الله؟!)، فيقال فيه:
الخلق صفة من صفات الأفعال، وصفات الأفعال لا تكون كمالا إلا إذا كانت مقرونة بالحكمة. ثم إن حال الناس مع حكمة الله دائرة بين الجهل المطلق، وبين العلم ببعض ما يمكن أن ينكشف للعقل الإنساني منها، وبين ما يتفضل الله بإظهاره لعباده.
ولا جرم أن الجواب الصحيح عن سؤال الحكمة من خلق البشر: لا يشترط فيه العلم بكل الحكم الإلهية من ذلك، وإنما يكفي فيه العلم ببعضها فقط، وعدم علمنا بكل التفاصيل لا يقتضي بنفسه نسبة النقص إلى الله؛ لأن عدم العلم ليس علما بالعدم. فعدم العلم بحكمة الله في أمر معين من الأمور، لا يعني أن الله جل وعلا ليست له في حكمة في هذا الشيء. وأما تصور الإحاطة بكل الحكم، فهو تصور مخالف للعقل، ولواقع الإنسان؛ فإن الإنسان لا يمكنه أن يعرف كل كمالات الله تعالى، كما سبق بيانه، وإنما غاية ما يمكنه أن يتعرف بعضها فقط. والمطالبة بمعرفة كل الحكم الإلهية، هي سعي في طلب أمر خارج عن حدود العقل، وإمكانياته، وخارج عن قدرة الإنسان وطبيعته الناقصة القاصرة.
إذا ثبت أن الله لم يخلق الكون بجميع مكوناته إلا لحكمة، وثبت أن البشر لا يمكنهم أن يتعرفوا جميع كمالات الله وحكمه، وأن غاية ما يمكنهم التعرف عليه: بعض تلك الكمالات والحكم، فالكون وما فيه من إتقان وإحكام ودقة، يؤكد أن الله اعتنى به، وأنه موضوع لحكمة وغاية محدودة، والإنسان من أشد مكونات الكون إتقانا وإحكاما؛ فظهور الحكمة في خلقه أجلى وأبين، فإننا يمكن أن نلتمس بعض تلك الحكم، ونستطيع الوقوف عليها.
وسنقتصر هنا على نوعين منها:
النوع الأول: ظهور لوازم ربوبية الله في الكون وجبروته وملكوته وتحقق آثار كمالاته المتعددة:
كمال الله تعالي يقتضي ظهور آثاره في مخلوقاته، والله يحب أن تظهر آثار اتصافه بالكمال المطلق ويتعرف إلى عباده بتلك الآثار. فالله تعالى يبين للناس دلالة أفعاله العظيمة المشهودة في الكون على كماله، وما تقتضيه من الأسماء والصفات، فحدوث الخلق يدل على صفة الخلق والقدرة والإرادة والعلم وغيرها من الصفات، ومن الشواهد القرآنية على ذلك قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا الطلاق/12.
قال ابن جرير في تفسير الآية: "يقول تعالى ذكره: ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك، كي تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه، وأنه لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه أمر شاءه؛ ولكنه على ما يشاء قدير، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، يقول جلّ ثناؤه: ولتعلموا أيها الناس أن الله بكل شيء من خلقه محيط علمًا، لا يعزُب عنه مثقالُ ذرّة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر" انتهى، (23/82).
وقال تعالى: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الروم/50.
وغيرها من الآيات الدالة على أن من أجل وأبين حكم خلق الله للكون وما فيه: هو ظهور آثار أسمائه، ومقتضيات صفاته سبحانه. وسيأتي إشارة إلى ترتيب الله الفضل العظيم على العلم بأسمائه وصفاته.
ومن تلك الآثار:
ظهور آثار أسماء الله القهرية؛ فمن أسمائه الله تعالى وصفاته القهار والمنتقم وشديد العقاب وذو البطش الشديد والخافض والمذل ونحوها، فهذه الأسماء كلها كمالات في حق الله، فلابد أن تظهر آثارها في الوجود.
ومن الشواهد القرآنية قول الله تعالى قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ آل عمران/٢٦.
ومنها: ظهور أسمائه المتضمنة لمعاني الرحمة والعفو والجود والصفح والكرم والمغفرة، وهذه الأسماء كلها كمال في حق الله تعالى، فلابد من ظهور آثارها في الوجود، وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم أخرجه مسلم (2749)، فوقوع الإنسان في المعاصي ليس منافيا للحكمة الإلهية البالغة، لأن وقوع ذلك يؤدي إلى ظهور نوع من آثار كمالات الله المتعددة.
ومنها: أن تظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات؛ فخلق هذه الذوات المضادة المهتدية والضالة، والنعيم والعذاب: من أقوى ما يظهر به كمال الله في القدرة، كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار والدواء والداء والحياة والموت، وذلك من أدل الأدلة على كمال قدرته وعزته، وملكه وسلطانه؛ فإنه خلق هذه المتضادات، وقابل بعضها ببعض، وجعلها مجالَ تصرُّفه وتدبيره؛ فخلو الوجود عن بعضها بالكلية: تعطيل لحكمته، وكمال تصرفه وتدبير مملكته. وإذا تأملت ذلك، ظهر لك الحكمة من وجود الاختلاف بين الناس، والحكمة من وجود الابتلاء، إلى غير ذلك من الحكم.
يقول ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/31) في حديثه عن مشهد الأسماء والصفات: "معرفة تعلق الوجود خلقا وأمرا بالأسماء الحسنى والصفات العلا، وأن العالم بما فيه من بعض آثارها، وأن العالم بما فيه من بعض آثارها ومقتضاها؛ وهذا من أجل المعارف وأشرفها.... إذا عُرف هذا فمن أسمائه سبحانه: الغفار، التواب، العفو، فلابد لهذه الأسماء من متعلقات، ولابد من جناية تُغفر، وتوبة تقبل، وجرائم يعفى عنها، ولابد لاسمه الحليم من متعلق يظهر فيه حلمه.. إلخ" انتهى.
لذلك نرى الحث على التأمل والسير في الأرض والتفكر في النفس والآفاق ورؤية تجليات أسماء الله وصفاته في الكون. وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "العلم بالله وأسمائه وصفاته وهو أشرف العلوم على الإطلاق، وهو مطلوب لنفسه مراد لذاته... فهذا العلم هو غاية الخلق المطلوبة، وقال تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ محمد/9" انتهى، من "مفتاح دار السعادة" (1/511).
خامسا:
إن اعترض معترض، فقال: تلك الحكم تدل على أن الله محتاج إلى الخلق في إظهار كمالاته، فلولا وجود الخلق لما ظهرت تلك الآثار؟
قيل: هذا غير صحيح؛ لأننا لا نقول إن كمال الله ناقص حتى تتحقق آثاره في الوجود، فلو لم تتحقق كان باقيا على النقص، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، بل الله هو الغني، عنى مطلقا عن العالمين، كما سبق تقريره؛ وإنما نقول: إن تحقق تلك الآثار تابع لكماله جل جلاله، ومظهر له؛ فتحقق آثار أسمائه نتيجة لكماله تعالى، وليس سببا له؛ وهناك فرق كبير بين أن نقول إن وجود المخلوقات سبب في كمال الله، وبين أن نقول إن وجودها نتيجة لكمال الله؛ فأمر الخلائق، كل الخلائق: أقل وأحقر من أن يستكمل بهم رب العالمين. قال الله تعالى في حديثه القدسي: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني رواه مسلم (2577).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (288103)
فإن قيل لماذا لم يختر خلقا آخر غير الإنسان لظهور آثار كمالاته؟
نقول الاعتراض منطلق من تعامل الانسان على أنه ند لله تعالى، ومناظر له؛ بل هذا هو أصل منطلق الشبهة المذكورة في هذا الباب كله، والباب الذي ذكره؛ أنه جعل الإنسان ندا لربه وخالقه، وشبه أوصافه، وأفعاله، بما يعلم من أحوال المخلوقين، فراح يسأل ويعترض، ويناقش؟
وقد كان ذلك من أعظم أسباب ضلال من ضل من البشر في شأن الله جل جلاله، أنه ضرب له الأمثال الباطلة من المخلوقين، سواء كان ذلك في ذواتهم، أو أوصافهم، أو أفعالهم؛ وقد قال الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ * فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ النحل/73-74
قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض، فلا ينزلون مطرا، ولا رزقا ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون. فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات الذي له الملك كله والحمد كله والقوة كلها؟!ولهذا قال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال " انتهى، من "تفسير السعدي" (444).
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة/21-22
قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " هذا أمر عام لكل الناس، بأمر عام، وهو العبادة الجامعة، لامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وتصديق خبره، فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ .
ثم استدل على وجوب عبادته وحده، بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم، فخلقكم بعد العدم، وخلق الذين من قبلكم، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها، وتنتفعون بالأبنية، والزراعة، والحراثة، والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم، وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم، كالشمس، والقمر، والنجوم.
وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً والسماء: كل ما علا فوقك فهو سماء، ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ كالحبوب، والثمار، من نخيل، وفواكه، [وزروع] وغيرها رِزْقًا لَكُمْ به ترتزقون، وتقوتون وتعيشون وتفكهون.
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا أي: نظراء وأشباها من المخلوقين، فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبون الله، وهم مثلكم، مخلوقون، مرزوقون مدبرون، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن الله ليس له شريك، ولا نظير، لا في الخلق، والرزق، والتدبير، ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب، وأسفه السفه.
وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته، وبطلان عبادة من سواه، وهو ذكر توحيد الربوبية، المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك، فكذلك فليكن إقراره بأن الله لا شريك له في العبادة، وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك." انتهى، من " تفسير السعدي" (44).
سادسا:
مما ينبغي أن يعلم في هذا المقام: أن تكليف الإنسان بالعبادة، وهي غاية عظيمة في حياته: فيه من الحكم الباهرة التي تهز العقول والقلوب طربا بمحبة الله والشوق إليه سبحانه.
فمن ذلك: تحقيق الكرامة الإنسانية، فالله تعالى كرم النوع الإنساني وأعلى منزلته، وجعله مختلفا عن سائر أنواع الحيوان في حياته، فخصه بالعقل والتفكر وحرية العبادة والاختيار والقصد، والبحث عن الغايات والأسباب، فأمره الله بالعبادة الاختيارية حتى يكتمل ذلك المخلوق المشرف في أخلاقه وأفعاله وسلوكه، ويرتقي في المنزلة عند الله، ويكون أقرب المخلوقات إلى الله وأحبها إليه.
ولولا تكليف الانسان بالعبادة، وأمره إياه بالطاعة: لكان جنس الانسان لا يختلف عن سائر المخلوقات، بل هذه المخلوقات ستكون أفضل منه لكونها مجبولة على الخضوع لله، ولا تملك إرادة ولا اختيارا يؤهلها للخروج مما جبلت عليه؛ فالتكليف فيه رفعة وشرف للجنس الإنساني، وبه يتميز عن غيره من الاجناس الحيوانية. فالأمر في التكليف ليس متعلقا بتحصيل منفعة جزئية مباشرة فقط، وإنما هو متعلق هو مظهر للحكمة الإلهية في التمايز بين الأجناس.
وفي هذا المعنى يقول الرازي رحمه الله في "تفسيره" (1/213): "اعلم أن من عرف العبادة طاب له الاشتغال بها وثقل عليه الاشتغال بغيرها وبيانه من وجوه:
الأول: أن الكمال محبوب بالذات، وأكمل أحوال الإنسان وأقواها في كونها سعادة: اشتغاله بعبادة الله؛ فإنه يستنير قلبه بنور الإلهية، ويتشرف لسانه بشرف الذكر والقراءة. وهذه الأحوال أشرف المراتب الإنسانية والدرجات البشرية، فإذا كان حصول هذه الأحوال أعظم السعادات الإنسانية في الحال، وهي موجبة أيضا لأكمل السعادات في الزمان المستقبل، فمن وقف على هذه الأحوال، زال عنه ثقل الطاعات، وعظمت حلاوتها في قلبه.
الثاني: أن العبادة أمانة، بدليل قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات، وأداء الأمانة صفة من صفات الكمال، محبوبة بالذات، ولأن أداء الأمانة من أحد الجانبين سبب لأداء الأمانة من الجانب الثاني.
الثالث: أن الاشتغال بالعبادة: انتقال من عالم الغرور إلى عالم السرور، ومن الاشتغال بالخلق إلى حضرة الحق، وذلك يوجب كمال اللذة والبهجة" انتهى.
والكلام على العبادة وأسرارها، وما يتعلق بطبيعة خلق الإنسان، وموافقة مرتبة العبادة لحالة الذل والضعف التي خلق عليها الإنسان، وعلاقة العبد ومرتبته بين مخلوقات الله سبحانه وتعالى: كل ذلك يطول، وما مر كاف بإذن الله.
وفي الختام؛ فمن النصوص المعبرة في هذا المقام، قول ابن القيم رحمه الله، في كلام له عن مقام "التوبة"، عند حديثه عن السر الأعظم من فرح الله بتوبة عبده:
"فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى اخْتَصَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ مِنْ بَيْنِ خَلْقِهِ بِأَنْ كَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ، وَشَرَّفَهُ، وَخَلَقَهُ لِنَفْسِهِ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ، وَخَصَّهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَقُرْبِهِ وَإِكْرَامِهِ: بِمَا لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، وَسَخَّرَ لَهُ مَا فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا، حَتَّى مَلَائِكَتَهُ - الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ قُرْبِهِ - اسْتَخْدَمَهُمْ لَهُ، وَجَعَلَهُمْ حَفَظَةً لَهُ فِي مَنَامِهِ وَيَقَظَتِهِ، وَظَعْنِهِ وَإِقَامَتِهِ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ كُتُبَهُ، وَأَرْسَلَهُ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، وَخَاطَبَهُ وَكَلَّمَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَاتَّخَذَ مِنْهُمُ الْخَلِيلَ وَالْكَلِيمَ، وَالْأَوْلِيَاءَ وَالْخَوَاصَّ وَالْأَحْبَارَ، وَجَعَلَهُمْ مَعْدِنَ أَسْرَارِهِ، وَمَحَلَّ حِكْمَتِهِ، وَمَوْضِعَ حُبِّهِ، وَخَلَقَ لَهُمُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَخَلَقَ الْأَمْرَ.
وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مَدَارُهُ عَلَى النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، فَإِنَّهُ خُلَاصَةُ الْخَلْقِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَعَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ. فَلِلْإِنْسَانِ شَأْنٌ لَيْسَ لِسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ ...
فَالْمُؤْمِنُ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَخِيَرَةُ اللَّهِ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّهُ خَلَقَهُ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، وَلِيَتَوَاتَرَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ، وَلِيَخُصَّهُ مِنْ كَرَامَتِهِ وَفَضْلِهِ بِمَا لَمْ تَنَلْهُ أُمْنِيَّتُهُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِه وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ لِيَسْأَلَهُ، مِنَ الْمَوَاهِبِ وَالْعَطَايَا الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، الَّتِي لَا تُنَالُ إِلَّا بِمَحَبَّتِهِ، وَلَا تُنَالُ مَحَبَّتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَإِيثَارِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ، فَاتَّخَذَهُ مَحْبُوبًا لَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ أَفْضَلَ مَا يُعِدُّهُ مُحِبٌّ غَنِيٌّ قَادِرٌ جَوَادٌ لِمَحْبُوبِهِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدًا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ فِيهِ بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَأَعْلَمَهُ فِي عَهْدِهِ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ، وَيَزِيدُهُ مَحَبَّةً لَهُ وَكَرَامَةً عَلَيْهِ، وَمَا يُبْعِدُهُ مِنْهُ وَيُسْخِطُهُ عَلَيْهِ، وَيُسْقِطُهُ مِنْ عَيْنِهِ....
فَإِذَا تَعَرَّضَ عَبْدُهُ وَمَحْبُوبُهُ الَّذِي خَلَقَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَعَدَّ لَهُ أَنْوَاعَ كَرَامَتِهِ، وَفَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَجَعَلَهُ مَحَلَّ مَعْرِفَتِهِ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ كِتَابَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولَهُ، وَاعْتَنَى بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُهْمِلْهُ وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى، فَتَعَرَّضَ لِغَضَبِهِ، وَارْتَكَبَ مَسَاخِطَهُ وَمَا يَكْرَهُهُ وَأَبِقَ مِنْهُ، وَوَالَى عَدُوَّهُ وَظَاهَرَهُ عَلَيْهِ، وَتَحَيَّزَ إِلَيْهِ، وَقَطَعَ طَرِيقَ نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ الَّتِي هِيَ أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَفَتَحَ طَرِيقَ الْعُقُوبَةِ وَالْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ = فَقَدِ اسْتَدْعَى مِنَ الْجَوَادِ الْكَرِيمِ خِلَافَ مَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ مِنَ الْجُودِ وَالْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ، وَتَعَرَّضَ لِإِغْضَابِهِ وَإِسْخَاطِهِ وَانْتِقَامِهِ، وَأَنْ يَصِيرَ غَضَبُهُ وَسُخْطُهُ فِي مَوْضِعِ رِضَاهُ، وَانْتِقَامُهُ وَعُقُوبَتُهُ فِي مَوْضِعِ كَرَمِهِ وَبِرِّهِ وَعَطَائِهِ، فَاسْتَدْعَى بِمَعْصِيَتِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا سِوَاهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَخِلَافُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ مِنَ الْجُودِ وَالْإِحْسَانِ.
فَبَيْنَمَا هُوَ حَبِيبُهُ الْمُقَرَّبُ الْمَخْصُوصُ بِالْكَرَامَةِ، إِذِ انْقَلَبَ آبِقًا شَارِدًا، رَادًّا لِكَرَامَتِهِ، مَائِلًا عَنْهُ إِلَى عَدُوِّهِ، مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
فَبَيْنَمَا ذَلِكَ الْحَبِيبُ مَعَ الْعَدُوِّ فِي طَاعَتِهِ وَخِدْمَتِهِ، نَاسِيًا لِسَيِّدِهِ، مُنْهَمِكًا فِي مُوَافَقَةِ عَدُوِّهِ، قَدِ اسْتَدْعَى مِنْ سَيِّدِهِ خِلَافَ مَا هُوَ أَهْلُهُ؛ إِذْ عَرَضَتْ لَهُ فِكْرَةٌ، فَتَذَكَّرَ بِرَّ سَيِّدِهِ، وَعَطْفَهُ وَجُودَهُ وَكَرَمَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَأَنَّ مَصِيرَهُ إِلَيْهِ، وَعَرْضَهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْدَمْ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ قُدِمَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ؛ فَفَرَّ إِلَى سَيِّدِهِ مِنْ بَلَدِ عَدُوِّهِ، وَجَدَّ فِي الْهَرَبِ إِلَيْهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَابِهِ، فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ، وَتَوَسَّدَ ثَرَى أَعْتَابِهِ، مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا، خَاشِعًا بَاكِيًا آسِفًا، يَتَمَلَّقُ سَيِّدَهُ وَيَسْتَرْحِمُهُ، ويَسْتَعْطِفُهُ وَيَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، قَدْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَيْهِ، وَاسْتَسْلَمَ لَهُ وَأَعْطَاهُ قِيَادَهُ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ زِمَامَهُ، فَعَلِمَ سَيِّدُهُ مَا فِي قَلْبِهِ، فَعَادَ مَكَانَ الْغَضَبِ عَلَيْهِ رِضًا عَنْهُ، وَمَكَانَ الشِّدَّةِ عَلَيْهِ رَحْمَةً بِهِ، وَأَبْدَلَهُ بِالْعُقُوبَةِ عَفْوًا، وَبِالْمَنْعِ عَطَاءً، وَبِالْمُؤَاخَذَةِ حِلْمًا، فَاسْتَدْعَى بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ مِنْ سَيِّدِهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ، وَمَا هُوَ مُوجَبُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا.
فَكَيْفَ يَكُونُ فَرَحُ سَيِّدِهِ بِهِ؟ وَقَدْ عَادَ إِلَيْهِ حَبِيبُهُ وَوَلِيُّهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا، وَرَاجَعَ مَا يُحِبُّهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ بِرِضَاهُ، وَفَتَحَ طَرِيقَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالْجُودِ، الَّتِي هِيَ أَحَبُّ إِلَى سَيِّدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ وَالْعُقُوبَةِ" انتهى، من "مدارج السالكين" (1/329-334).
فهذا النص الرائق البديع يصور علاقة الإنسان بخالقه سبحانه، وأنه أجل مخلوقاته، وأكرمها على الله سبحانه، وخليق بمن تأمل هذا الكلام أن يحمد الله على نعمة العبودية، وأن يتعرف إلى الله بأسمائه وصفاته وأنها من أجل العلم كما سبق بيانه.
ولمن أراد مزيدا من الفائدة، حول هذه الشبهة: أن يراجع كتاب " لماذا يطلب الله من البشر عبادته" للدكتور سامي عامري، وفقه الله.
والله أعلم.
المصدر: الإسلام سؤال وجواب




 توقيع : سمو المشاعر

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ سمو المشاعر على المشاركة المفيدة:
قديم 26-09-2023, 01:08 AM   #2


رهينة الماضي متواجد حالياً

 
 عضويتي » 815
 اشراقتي » Aug 2018
 كنت هنا » اليوم (03:45 PM)
آبدآعاتي » 1,444,512[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  عبق الياسمين
موطني » دولتي الحبيبه
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 الاوسمة »
وسام وسام المئوية الرابعة بعد المليون وسام وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : رهينة الماضي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 26-09-2023, 06:28 AM   #3


فرآشه ملآئكية متواجد حالياً

 
 عضويتي » 2446
 اشراقتي » Jun 2022
 كنت هنا » اليوم (08:40 PM)
آبدآعاتي » 450,728[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Palestine
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 SMS ~






[
 الاوسمة »
وسام وسام وسام وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : فرآشه ملآئكية

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 26-09-2023, 02:06 PM   #4


الفاارس غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 2850
 اشراقتي » Aug 2023
 كنت هنا » 20-04-2024 (09:19 AM)
آبدآعاتي » 3,270[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 الاوسمة »
وسام وسام وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : الفاارس

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 26-09-2023, 06:37 PM   #5


امير بكلمتى متواجد حالياً

 
 عضويتي » 652
 اشراقتي » Apr 2018
 كنت هنا » اليوم (08:34 AM)
آبدآعاتي » 1,353,472[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 SMS ~
https://www.raed.net/img?id=193837
 الاوسمة »
وسام وسام سهرة رمضانية مع صائم وسام انفاس الياسمين 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : امير بكلمتى

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
مواضيع : امير بكلمتى



رد مع اقتباس
قديم 27-09-2023, 06:25 PM   #6


كريزما متواجد حالياً

 
 عضويتي » 2103
 اشراقتي » Jun 2021
 كنت هنا » اليوم (08:29 PM)
آبدآعاتي » 1,592,831[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  السعودية
موطني » دولتي الحبيبه Yemen
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 الاوسمة »
وسام وسام وسام وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : كريزما

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 27-09-2023, 08:29 PM   #7


القبطان غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 1283
 اشراقتي » Jun 2019
 كنت هنا » 06-04-2024 (07:41 PM)
آبدآعاتي » 184,929[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » أحب القراءة والكتابة وصيد الأسماك فى البحر الأحمر
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 الاوسمة »
وسام وسام قيثارة حرف وسام وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : القبطان

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 27-09-2023, 11:08 PM   #8


وتين غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 47
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » يوم أمس (12:50 AM)
آبدآعاتي » 1,561,999[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي »
 اقامتي »  عبق الياسمين
موطني » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 الاوسمة »
وسام وسام وسام المئوية الخامسة بعد المليون وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : وتين

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 28-09-2023, 11:46 AM   #9


reda laby متواجد حالياً

 
 عضويتي » 580
 اشراقتي » Feb 2018
 كنت هنا » اليوم (07:58 PM)
آبدآعاتي » 2,702,672[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » الإطلاع المتنوع الثقافات
 اقامتي »  مصــ( اسكنـ محرم بك ـدرية )ــر
موطني » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
مزاجي:
 SMS ~
 الاوسمة »
وسام المئويه السابعه بعد المليونيين المئوية السادسه بعد المليونيين وسام وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : reda laby

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
مواضيع : reda laby



رد مع اقتباس
قديم 29-09-2023, 07:04 AM   #10
انسكاب حرف


مي محمد غير متواجد حالياً

 
 عضويتي » 6
 اشراقتي » Feb 2017
 كنت هنا » 17-04-2024 (10:31 PM)
آبدآعاتي » 242,323[ + ]
سَنابِل الإبْداع » [ + ]
هواياتي » الكتابة
 اقامتي »  
موطني » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »
مُتنفسي هنا » ألبومي مُتنفسي هنا
 
 الاوسمة »
وسام وسام وسام وسام 
 
افتراضي رد: ما الفائدة من خلق الله تعالى لنا لنعبده؟




لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )
اسم العضوية
كلمة المرور


 
 توقيع : مي محمد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع ¬ آلمنتدى ✿ مشاركات ¬ آخر مشآرگة ✿
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأكل غرآم الروح عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿ 21 17-04-2024 03:24 PM
اسماء الله الحسنى ... مع التفسير الدقيق الشيخ اسلَامِي هُو سِرُّ حَيَّاتِي✿ 20 12-02-2024 01:30 AM
توحيد الألوهية (2/ 27) ˛ ذآتَ حُسن ♔ اسلَامِي هُو سِرُّ حَيَّاتِي✿ 31 11-02-2024 04:01 PM
صورة نادرة لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم كأنك تراه ... لا تفوتكم امير بكلمتى عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿ 34 09-12-2022 09:38 AM
سيرة أبي هريرة رضي الله عنه / خاص للمسابقه وتين عبق حياة رسولناالكريم والخلفاء الراشدين و أمهات المؤمنين ✿ 27 27-11-2022 12:53 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 08:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.