منقول عن المجلة الثقافية
🔖🍂
الخنساء هي إحدى أعظم الأمهات في تاريخنا العربي ، قدمت في القادسية أولادها الأربعة شهداء ، كانت في الجاهلية إحدى أشهر النساء ، تأتي سوق عكاظ ، وتقرض شعراً يأخذ الألباب ، على قدر من الصلابة والمتانة ،
ولم يكن غريبا أن الرجال حين ألقوا قصائدهم على النابغة الذبياني حكم سوق عكاظ ، وألقت عليه الخنساء شعرها ،
قضى قضاءه الشهير قائلاً : الخنساء أشعر العرب!
يومها ثارت حفيظة حسان بن ثابت ، وقال له : أنا أشعر منها ومنك!
فقال له النابغة : بأي شِعرك ؟
فأنشد حسّان :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحي
وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دماً ولدنا العنقاء وابني مُحرقٍ
فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال له النابغة : والله إنّك لشاعر!
ثم أردف قائلاً ، في واحدةٍ من أولى خطوات تأسيس النّقد العربي :
لو قلت الجفان بدل الجفنات لكان أبلغ ، لان الجفنات جمع تأنيث ، وجمع التأنيث يفيد القلة ، والكرم لا يكفي معه القليل!
ولو قلت يلمعن بالدجى لكان أبلغ من قولك يلمعن بالضحى ، لأن حاجة الضيف إلى القرى في الليل أشد منها في الصباح!
.
.
ولو قلت أسيافنا يجرين من نجدة دماً ، لكان أبلغ من قولكَ يقطرن من نجدة دماً ، فالنجدة بالسيوف لا تستقيم إلا بجري الدم لا بقطره!
واري يا حسان أنك افتخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدوك ، وهذا معني تستقبحه العرب!
فقام حسان من أمامه مهزوماً
وكان من الطبيعي أن يتهافت الرجال لخطبة الخنساء ، فخطبها سيد آل بدر فرفضته ، وخطبها سيد بني جشم فرفضته ، وتزوجت ابن عمها عبد العزى على عادة العربيات وقتذاك ، وقالت قولتها المشهورة : أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح!
وكان عبد العزى مقامراً ، وكانت الخنساء ذات مال کثير ورثته من أبيها ، وكانت عادة العرب أن لا ترث فيهم النساء ، ولكن أخاها صخراً الشهم ، لما وصلت التركة بين يديه ، أبي أن يستأثر فيه دون أخته ، وإنما أعطاها نصف المال!
وما لبث عبد العزى أن قامر به وخسره كله!
ثم ذهبت إلى أخيها صخرة تشكو إليه قلة ذات يدها ، فجمع ماله كله وأعطاها نصفه مجدداً ، ولكن عبد العزى ما لبث أن قامر به وخسره كله!
ثم عادت الخنساء إلى صخر مرة ثانية تستعين به على ما نزل بها ، فجمع ماله كله وأعطاها نصفه ، وكالعادة ما لبث عبد العزى أن قامر به حتى خسره!
وهذا هو سبب عشق الخنساء لصخر، لم يكن مجرد أخ ، كان قبيلتها كلها ، وهي لا تلام إذ أفنت عمرها تبكيه بعد مقتله ، فرثته رثاء جاب أرجاء الصحراء ، فحفظته العرب صغيرها وكبيرها ، حتى يوم جاءت مسلمة
قال لها النبي : هيه يا خُنيس ، أنشديني من حديث صخرا فأنشدته ..