قراءة موجزة في ادب نزار قباني"خاص بمجلة عبق"

يعتبر نزار قباني ايقونة في الشعر الفريد الخارج عن المالوف الراغب في التجديد متجاوزا التقاليد الشعرية المتوارثة لقصد التميز والانفراد باسلوب ابداعي وفني مختلف..ايمانا منه برسالة الشعر وشموليته ليكون الشعر لكل الناس وفي متناول الجميع وفي سعيه الدائم لاخراج الشعر العربي المعاصر من المساحات الضيقة والتحرر من اسوار المحلية للوصول الى كل الساحات العربية عابرا الحدود بجراته وثورته على التقليد شكلا ومضمونا ..وهذا ما لم يسبقه عليه احد من شعراء عصره..وهذا ما يميز ادب نزار قباني..... وفي سعيه الدائم لاعادة وجهة نظره في المراة والوطن والشعر ووظائفه وهذا ما اظهره في مقدمة ديوانه(طفولة نهد) فيقول:نشات على كره عنيد للشعر الذي يراد من نظمه اقامة ملجا او بناء تكية او حصر قواعد اللغة) وهكذا نرى رغبته في اخراج اللغة من زوايا القواعد الضيقة وحد وظائفها ضمن اطر محددة حتى لا يكون نسخة مصورة عن شعراء اخرين اعتمدوا في شعرهم المدح والرثاء لقصد التفرد وهنا يظهر نزار كمدرسة ادبية متميزة ويكون الشعر بين انامله حرا بعيدا عن القيود المفروضة.. كما نراه في اغلب اعماله الشعرية يظهر بمظهر المتحدي العنيد للتقاليد الشعرية والاجتماعية والسياسية مدافعا عن الفن من وجهة نظر فنية وهذا ما يظهر عندما يقول في ديوانه ان الدعوة الى الفضيلة ليست مهمة الفن بل مهمة الاديان وعلم الاخلاق وانا اؤمن بجمال القبح ولذة الالم وطهارة الاثم وهي كلها اشياء صحيحة في نظر الفنان) وهذا ما يكشف لنا رؤيته ورغبته في التمرد على التقاليد الممارسة والقناعات ليخرجها من الرؤية الضيقة للامور التي نراها من افق ضيق... نراه يظهر هنا صاحب رؤية مغايرة للرؤيا المعهودة للالم والاثم وهذا ما يثبت تميز شخصية قباني الذي يرى بعين الفنان وحكيم بطريقته الخاصة بحيث يسبر اغوار الكلام ليخرج جماليتها رغم دمامة ظاهرها.... وبالحديث عن اسلوبه في الغزل والرحيل به الى ابعد الحدود كاشفا كل مستور ومحطما كل القوافي والاوزان التقليدية وبذلك يكون قد فاق عمر بن ابي ربيعة في وصفه الدقيق لمفاتن المراة... فموضوعاته كانت فاحشة وتفرده في الشعر النسائي حيث انه كان يغوص في ما وراء الاحاسيس الكامنة والتحدث باسلوب غريزي واضح ...بحيث يصف مفاتن الانثى ويتعمق في عاملها الخاص واصطياد دقائقها والدخول الى مخدعها لمحادثتها لتنطق بحاجاتها الصغيرة على لسانه بلغة فيها الكثير من الاثارة والنظرة الاولى لهذه النماذج تدفعنابداية الى النفور فنزار لا يعرف الغموض في وصف عشقه للمرأة وجسدها ومطارحتها الغرام على صفحات دواوينه متناسيا بذلك القضايا المصيرية الكبرى التي تعصف بالمجتمعات العربية انذاك باستثناء المرحلة الاخيرة من حياته التي تناول فيها بعض القضايا الانية السياسية والاجتماعية ولايخلو من الانتقادات الموجهة للانظمة الفاسدة .... لا يمكننا ان نظلم نزار قباني لانه رائد مدرسة شعرية فريدة من نوعها مالبثت ان اصبحت بمثابة بوابة عبور لكثير من الشعراء الذين تاثروا باسلوبه وتغنوا بالمراة كجسد ورغبة.... ولانه متحدث بليغ ليخرج ما يجول في نفوس الجميع من رغبات كامنة مقيدة بالقيم والمثل وهو الذي كشف عن هذه الرغبات بلغة واضحة بعيدة عن التعريض والالتفاف حول المواضيع التي تشكل خطا احمر في مجتمعاتنا العربية... دائما ما يكشف الشعر عن جانب خفي في نفس الشاعر وبالتالي فنزار بشعره الغزلي خدش حياء اللغة عندما تحدث بوضوح عن مفاتن المراة والذي يظهره كانسان تحركه رغباته ...رغم جمالية الشعر الا انه لابد من احترام قدسية الكلمة وعدم جعل المراة كعامل اثارة وانتهاك خصوصيتها لقصد اظهار القدرة على تحطيم كل القوانين لتكون اللغة حرة بين انامله .فنزع ثوب الحشمة والحياء عن كل اثر دليل على انه شاعر الجسد ونزواته بامتياز قبل ان يكون شاعر الحب وبالحديث عن الانتقادات التي وجهت الى ادب قباني: طوال خمسين عام وقباني يواجه حملات شعواء ضده ولم يتوقف النقد الذي كان يتعرض له وذلك لانه عرى المجتمع من خلال علاقته بالمراة انطلقت الاصوات لتكفره وتخرجه من الدين وتجؤده من الوطنية والقومية رغم كل ذلك بقي قباني في الواجهة ولايعكر مزاجه الا الواقع العربي السيء.... يقول الناقد جلال فاروق الشريف في كتابه (الرومنطيقية في الشعر العربي المعاصر في سورية): "ان موهبة الشعر التي يتمتع بها نزار قباني هي التي اتاحت لهذا الشاعر المخضرم الذي عاصر ابو ريشة ةالمرحلة المتاخرة من شعر جيل الرواد الكلاسيكي في سوريا كما عاصر مرحلة الرومنتيكية وثورة الشعر الحديث ان يشق طريقا لنفسه ومستقلا وسط اقوى التحديات على نطاق الشعر العربي المعاصر" كما واعتبر النقاد ديوانه الاول(قالت لي السمراء)فضيحة شاملة في الادب والسياسة والمجتمع لسبب تلك الموضوعات الفاحشة وغير المالوفة وخصوصيته المتفردة بالشعر النسائي في عصر النضال الوطني وهذا كان كاف لاعلان الخصومة والمواجهة في ديوانه الاول كما تناولته الدراسات من كل جانب. فمن الدراسات الجادة التي تناولت جانبا هاما من جوانب شخصيته ” النرجسية في أدب نزار قباني ” للدكتور خريستو نجم. وقد عرض الأستاذ فريد جحا تحليلا لهذا الكتاب على صفحات مجلة الموقف الأدبي عدد /كانون الثاني/ عام ألف وتسعمئة وسبعة وثمانين. ومما ورد في التحليل على لسان فريد جحا: ” والحق أن نزاراً ليس أشعرَ شعراء العصر الحديث كما يرى ذلك أحد النقاد، وليس الشاعرَ النصفَ المثقف كما يرى ناقدٌ آخر. بل هو واحد من شعرائنا الكبار لا في عصرنا الحديث فحسب بل في تاريخ أدبنا لعربي كلِّه. شاعر ينتظر التقويم الجدِّيَّ الموضوعيَّ الذي يضعه في المكان اللائق به دون أن يرفعه إلى السحاب، أو يضع من شأنه فتمسح به وبأدبه التراب “. هذه وجهة نظر صائبة، وهذا حكم سديد. فالمعركة بين النقاد ونزار قباني معركةٌ ,غابت عنها الموضوعية في أكثر الأحيان تصدرت مقدمة الدكتور منير العجلاني الديوان حيث اعلن تفاؤله بولادة شاعر متمكن فيقول: "لااسالك,لا اسال الله الا شيئا واحدا ان تبقى كما انت طفلا يصور ويغني ويعشق كانك ملاك يمشي على الارض ويعيش في السماء..."يانزار لم تولد في مدرسة المتنبي فما اجدك تعنى بشيء من الحكمة والرثاء والمدبح وما اجدك تعنى بالبيت الواحد من القصيدة يضرب مثلا ومااجدك بعد هذا تعنى بالاساليب التي الفها شعراؤنا وادباؤنا وانما انت شيء جديد في عالمنا ومخلوق غريب" وناقد اخر انصف نزار بموضوعية وهو الدكتور احسان عباس في كتابه(اتجاهات الشعر العربي المعاصر) يقول: "اذا استثنينا قباني وجانبا من شعر صلاح عبد الصبور لانجد الحب يتخذ شكل موضوع شعري مستقل وانما هو ذائب في التيار الشعري جملة وقد اكثر قباني من الحديث عن الحب معتبرا اياه عالما ابعاده متميزة تكفل له الوجود المستقل في نشوة حتى سماه بعضهم(شاعر الحب)وسماه اخرون شاعر المراة وغير ذلك من التسميات وخلاصة القول: نجد انفسنا امام شاعر يسعى دائما الى التميز والانفراد بابداعه وفنه متجاوزا تقاليد الشعر المتوارثة يجمل في جعبته موهبة وثقافة واعتداد بالنفس ليقول كلمته بوضوح بدون تردد... حيث يفرد قباني في كتابه(عن الشعر والرغبة والثورة) يقول: ارفض القول انني انقل عن الذاكرة الشعرية العربية او اي ذاكرة اخرى انني بهذا المعنى شاعر مصاب بفقد الذاكرة منذ بداياتي حاولت ان اخرج عن الانموذج الشعري العام في الغزل العربي فمن خلال قراءاتي الشعرية الاولى تنبهت الى شيء خطير وهو ان كل الحبيبات في الشعر العربي هي واحدة ومقاييس المراة الجسدية كانت هي الاخرى واحدة والانفعال بجمال المراة كان دائما صحراويا كانت هذه الحقيقة ترعبني لذلك اردت ان ادخل الشعر العربي من باب اخر ان اطرح عشقي الخصوصي على الورق دون استعارة عشق الاخرين" هو يريد ان يحطم كل القواعد الثابتة في الغزل المعهود حتى لا تكون المراة التي يعشقها هي الانثى التي يعشقها كل الرجال وبذلك يريد ان يظهر فرادته في العشق ...وانه يحاول ان يكون في وصفه لجسد الانثى بعيد عن السطحية بل اغرق تفاصيل الانثى بوصف لم يسبقه احد اليه..ورغم ذلك فان جراة الوصف هي التي جعلته محط انظار النقاد وهذا ما كان يصبو اليه.... ويوضح قباني في مجلة الثقافة اللبنانية في اذار 1970 اوضح موقفه من الحداثة والعملية الشعرية فيقول"انا ليس عندي نظرية في الشعر في هذه الجلسات وفي غير الجلسات هو في نظري عبارة عن سفسطات وهرطقات واجتهادات...الشعر هو الرغيف اليومي الدافء الذي ناكله معا الشعر هو اخيرا السيف الذي يذبحنا..المهم ان اكتب الشعر هذه نظريتي" اذا هو يؤمن برسالة الشعراء ودورهم دون ان ينخرطوا ضمن منظمات تقلم الاظافر وتقييد ابداعهم فالعملية الشعرية في نظره فسحة او نزهة ثم ينتهي الامر بصورة تذكارية بل هو عملية تقلب المفاهيم وترسخ مفاهيم جديدة ويقول بهذا الصدد: "انا اعتقد ان الشعر هو عملية انقلابية يقوم بها ويخطط لها وينفذها انسان غاضب ..ولاقيمة لقصيدة في نظري لم تحدث شرخا او قشعريرة في جسد الانسانية وفي جسد العالم.الشعر اربطه انا شخصيا بالثورة وبالطفولة والجنون...وكل محاولة لتقليم اظافر الشعر وتحضيره وتحويله الى حيوان اليف محاولة رجعية عقيمة وسخيفة ونحن في هذه المرحلة الماساوية من حياتنا يبدو ان الكتابة بالاظافر اصبحت قدرنا الوحيد" هو يريد الشعر دون ان تاطير ضمن مصطلحات سياسية او ادبية ولايؤمن الا بالشعر الصاعق ويعجب بالشاعر الخارج عن القانون ويدعوه الى:"على الشعراء المعاصرين ان يكونوا انقلابيين بكل معنى الكلمة عليهم ان يكونوا خارجين عن القانون بكل معنى الكلمة عليهم ان يجتازوا الطريق على الاشارات الحمراء وان يضعوا الالغام تحت قطار التخلف وتحت قطار الخليفة" اذا يمكننا ان نلمح ملامح ثورة ادبية بداها قباني نقلت الشعر العربي من حال الى حال اكثر انفتاحا..اكثر تحررا من كل القيود المالوفة بقلمي وجهدي.. سيرين سحر الشرق

المصدر : منتديات عبق الياسمين

 

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور

لا يمكنكم مشاهده باقي المشاركة لأنك زائر ...
فإذا كنت مشترك مسبقا معنا  فقم بتسجيل دخول بعضويتك للمتابعة وإذا لم تكن  فيمكنك تسجيل عضوية جديدة مجانا ً ( من هنا )

اسم العضوية		حفظ معلومات الدخول
كلمة المرور