كثيرًا ما تكشفُ لنا وسائل الإعلام المنوَّعة عن مُشكلات العاملة المنزليَّة، أو ما يُعرف عند كثيرٍ من الأُسر بـ: "الشَّغالة، أو الخدَّامة"، وغالبًا ما يكون الحديث في تلك الوسائل عن اعتداءاتٍ تقعُ من هؤلاء العاملات تجاه أفراد الأُسَر التي يَعْملْنَ في بيوتها، أو اعتداءات في حَقِّ أنفسهنَّ؛ بسبب مشكلات أُسَرية خاصَّة بالعاملة، أو مشكلات صِحيَّة نفسيَّة، أو بسبب سُوء المعاملة من قِبَل مَن تعمل عندهم تلك العاملة.
ولن أتكلَّمَ عن هذه المشكلات المذكورة في الأسطر السابقة؛ لأنَّ المجتمع طالمَا وقَف عندها، وأعاد قَصصها المؤلِمة، ومواقفها المظلمة، وهي أنباء داومَتْ على إظهار جوانب سلبيَّة في هذه الفئة العاملة، مع استمرار حاجتنا إليها، وتواصُل الطلب عليها.
ولكنَّ المؤسفَ حقًّا هو تلك الطريقة التي تتعامل بها بعض الأُسر مع هذه الإنسانة، بَدْءًا بمناداتها بالشَّغالة، ومُرورًا بحِرْمانها حتى من الخروج مع أفراد الأسرة في رحلةٍ بريَّة، أو نُزهة شاطئيَّة، وانتهاءً عند احتقارها، وإشعارها بالغُربة والمهانة والذِّلة، نَاهِيكَ عن حالات الاعتداء بالضرب أو غيرها، بل قد يَصِلُ الحدُّ بالبعض إلى حِرْمانها من أيسر حقوقها كإنسانة، من حقِّها أن تعيش عِيشةً كريمة، ولا سيَّما وهي امرأةٌ قد تركَتْ أُسرتها، ورُبَّما أطفالها من أجْل أن تأتي لخدمة أُناسٍ؛ رغبةً في الحصول على المال من أجْل مُصارعة الحاجة الحارقة، ومواجهة الحياة الحانقة.
وما أجملَ حال أُسرٍ عرفَتْ معنى الكرامة، واستشعرَتْ كُنْه الحاجة، وأدركَتْ أنَّ هذه العاملة ما هي إلاَّ أجيرةٌ، لَم تأتِ من بلادها تاركةً وراءها وطنَها الذي وُلِدتْ على أرضه، وأهلها الذين نشأتْ بين أحضانهم.
أُسرٌ فَهِمتْ قِيَمَ الإسلام السَّمحة، وعرفَتْ جيِّدًا كيف كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - يُعامل الخَدَم، وهو القائل: ((هم إخوانكم، جعَلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مِمَّا تأكلون، وألْبِسوهم مِمَّا تلبسون، ولا تُكلِّفوهم ما يُغلبهم، فإنْ كلفتموهم فأعينوهم)).
إنَّ الإنسان المسلم مُطالبٌ بالإحسان إلى أخيه المسلم وأُخته المسلمة، أو حتى العاملة غير المسلمة - إنْ وُجِدت؛ لأنها ما جاءت إلاَّ بعقْدٍ، ونحن المسلمين أُمِرنا بأن نَفِي بالعقود، وأُلْزِمنا بأن نكونَ نماذجَ في تعامُلنا الإنساني مع الآخَرين والأُخْرَيات، فنحن مطالَبون بالتعامُل من منطلق إنساني مثالي، تَهَذَّب في ظِلال الإسلام، لا أنْ نقلِبَ الصُّوَر، ونعكس الطريق، فنعمل على إرهاق هذه العاملة بكثرة الأشغال طوال النهار، وحِرْمانها من الراحة والخلود إلى النوم في الليل، أو بتأخير مُستحقَّاتها، وإدخالها في مشكلات مع ذَوِيها، أو بإهانتها، وذلك بإجلاسها منفردةً حين تجلس الأُسرة مجتمعة في حديقة أو مُتَنزَّه.
إنَّ كثيرًا من أولئك العاملات بحاجة إلى الإحسان، مِن خلال زيادة وَعْيهنَّ الديني، وفَهْمهنَّ الخُلقي، وإفادتهنَّ بما يعود عليهنَّ بالنفع، ويَكفل الأجر لِمَن حرَص على ذلك، وعدم إشعارهنَّ بالغربة، وهُنَّ في كَنَف أُسَر مسلمة تحرص على الرِّفق بها، ومُناداتها باسْمها، أو كُنيتها، وعدم إهانتها حتى باللفظ، وردّ أيِّ مُحاولة للاعتِداء عليها.
إننا بحاجة لأن تَظهر أُسرنا من الداخل في صورة إنسانية راقية، والعاملات المنزليات هُنَّ مَن يَعشْنَ بين كثيرٍ من الأُسر، فمِن الأوْلَى ألاَّ تظهر الأسرة في صورة قبيحة أمام هذه العاملة التي لا تعرف كثيرًا عن مُجتمعنا بصورته الخارجية؛ في الطريق، وفي السوق، وفي المطار، وغيرها، ولكنَّها حَتْمًا تعرفه من أساسه الحقيقي، وعِماده الرئيس، أَلاَ وهي الأسرة؛ فرِفْقًا بهؤلاء العاملات الأجيرات، فالله رفيقٌ يُحبُّ الرِّفق في الأمر كُلِّه، كما أخبرنا بذلك إمام الرُّفقاء - عليه الصلاة والسلام.