الأدارة ..♥ |
❆ فعاليات عَبق الياسمين ❆ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
عبق التراث والآثار ✿ ثقافَات منقوِِله جَديدَه أو قديمهِِ تَطِـلْ مِـن حاضراًومستقبلاً. ﹂ ✿ |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تدمر .. مدينة الأعمدة المذهلة
يقوم المعبد القديم على قاعدة وأساس عميق جداً ليدعم منصة تحتوي على عدة درجات. تدمر مدينة النبلاء:- غالباً ما توصف تدمر بأنها مدينة النبلاء أو بالمدينة النبيلة، فربما كان ذلك بسبب موقعها الفريد في قلب الصحراء السورية، أو لأنها كانت واحدة من أكبر وأهم المدن الواقعة على طريق التجارة “طريق البخور”، وكان قومها – الذين استقروا في الصحراء السورية قبل أربعة آلاف عام من اليوم – تجاراً أثرياء. مع أن معالمها اليوم قد تغيرت وتبقَّى لنا منها فقط أطلالا شامخة في بحر لا ينتهي من الرمال، إلا أن صيت تدمر قد أؤرخ ضمن أدبيات قديمة كالنصوص الطينية الآشورية وحتى عبر قصص الإسرائيليات وفصول سفر التكوين الوارد بالعهد القديم. فذُكرت تدمُر بأنها مدينة الأعمدة المذهلة، الفريدة من نوعها، وبأنها مدينة متألقة ببنائها، وتمتلك واحدة من أفضل الصروح المعمارية الهجينة التي تمزج بين الأسس الرومانية، اليونانية مع العمارة المعروفة في منطقة جنوب حوض المتوسط. لمحة تاريخية عن تدمر:– تحت سطوة الملوك السلوقيين شهدت تدمر ازدهارا تجارياً ومعمارياً كبيراً، لتُضم لاحقاً إلى الإمبراطورية الرومانية وذلك في سنة 64 قبيل ميلاد المسيح. وخلال فترة حكم الإمبراطور الروماني الثاني تيبيريوس (من 14 إلى 37) للميلاد؛ تم دمج أجزاء من المناطق السورية، ليتم صناعة مملكة تدمر. أحاطت السلطة الرومانية هذه المدينة برعاية كبيرة على امتداد الزمن مما ساعدها لتزدهر وتتوسع تجارياً، حتى اعتلت عرشها الملكة القوية زنوبيا لتحكمها بكل حزم وقوة، ثم تمردت على الرومان، وفي سنة 272 للميلاد؛ قرر الامبراطور أورليان الهجوم على مدينة تدمر وأسر الملكة ونقلها إلى روما. المزيج المعماري في تدمر:- عندما تتجول بين أطلال مدينة تدمر؛ ستبهر بحجم الآثار القائمة؟؟ فيوجد فيها أعمدة، معابد وقلاع، لتوقن سريعاً بأن المدينة كانت ضخمة ومزدهرة بشكل أكبر مما كنت تتخيل خلال فترة ازدهارها وذروتها. ومن بين المعالم الملفتة للنظر ستجذب انتباهك؛ كتلة أثرية معروفة بمعبد بيل، وهو معبد للآلهة بيل الأكادي وبالعودة للحضارة البابلية كان بيل هو رب الأرباب. الفريد في هذا المعبد هو نمطه تشييده المعماري. حيث ستجد ضمن تفاصيله وأسلوب بنائه تمازجاً بين فنون العمارة المعروفة لدى حضارات حوض البحر المتوسط في فترة ما قبل الميلاد، وذلك مع تداخل ملحوظ للثقافات اليونانية والرومانية، ومما وجده المؤرخون في النقوش توضح أن عملية بناء المعبد بدأت في سنة 32 للميلاد ولكنه لم يكتمل قبل القرن الثاني للميلاد. معبد بل بالتفصيل:- لنبدأ في تفصيله معمارياً عبر التمعن في مخططه (مسقطه) الذي أخذ بحسبانه كل الطقوس والشعائر الديانات الشرقية القديمة التي قد تحدث فيه. فنجده يشابه في رسمه مساقط بناء كل أضرحة ومعابد الآلهات في الحضارات الشرقية القديمة، وخاصة تلك التي كانت تراعي في تصميمها كل طقوس العبادة، وضرورة وجود المذابح وأماكن وضع القرابين. ولتحصل على مكان كهذا فأنت تحتاج إلى مكان يحتوي على زوايا متساوية (90 درجة). ومع أن مسقط معبد بل شرقي الأسلوب؛ إلَّا أن ارتفاع أعمدة المعبد الضخمة وتزيينها كان يشابه العمارة الرومانية – اليونانية، وذلك يظهر عبر استعمال نمط النقوش المعمارية للنظام الكورنثي – نظام عُرف في تزيين أبنية عصر النهضة – يضاف إليها أساليب يونانية فريدة في تزيين الخط المحدد لسقف والبوابة. ومن منظور المشهد الخارجي؛ ستجد المعبد قائماً بأسلوب العمارة اليونانية الهلنستية. موقع المعبد:- يقع المعبد ضمن قطعة أرض مربعة بطول (205) أمتار من كل جهة، هذه المنطقة محاطة بسلسلة من الأعمدة يليها مجموعة من المباني الأخرى، لتقوم بتحديد حرم المعبد. في هيكل المعبد:- يقوم المعبد القديم على قاعدة وأساس عميق جداً ليدعم منصة تحتوي على عدة درجات، على المرء صعودها ليدخل إلى قلب المعبد. وبعد أن تعتلي هذه الدرجات؛ تدخل من بوابة المعبد على مساحة مفتوحة بأبعاد (55×30) متراً، وتجد داخله غرفة العبادة الداخلية التي تتضمن تمثال الآلهة، ولتصل إليها ستحتاج صعود بضع درجات تقابل درج المعبد الخارجي، بعد الصعود ستجد نفسك في غرفة بارتفاع (14) متر وأبعاد (39.45×13.86) متر. تم تصميم غرفة العبادة الداخلية تبعاً للمتعارف عليه في التقاليد الشرقية السومرية ويوجد فيها مزارين منفصلين. المعبد من الخارج:- بالإضافة إلى سور الأعمدة الخارجية؛ نجد أن جدران المعبد الخارجية محاطة بإطار من الأعمدة التي تصنع رواقاً خارجياً يحيط به، وارتفاع كل من هذه الأعمدة هو (15.81) متر، بحيث يوجد ثمانية أعمدة على كل من الجانبين وفي الخلف، والتي تتميز في أعلاها بزخرفة ونقوش من الطراز الكورنثي. في الوجه الأمامي للمعبد الذي يتضمن المدخل؛ سنجد مجموعة من الأعمدة التي تتقدم نحو الدرجات مانحة الهيبة للصرح (أعمدة من طراز نصف أأيوني) وتحمل سقف المعبد لتغطى به من الأعلى. ومن النقوش التي تركها المعماريون الذين عملوا في الموقع؛ نجد أن العاملين لم يكونوا من أهل مدينة تدمر وحسب، بل هم من خلفيات ثقافية مختلفة فمنهم الإغريق، الرومان وسواهم بالإضافة إلى التدمريين. معبد بل كان مخصصا لعبادة الثالوث الإلهي المؤلف من الإله بيل مع آلهة القمر عجلي بول وآلهة الشمس يارحي بول، حيث يعتبر في الحضارة التدمرية أن هذا الثالوث الإلهي هو المبتكر والمبدع بينما بقية الآلهة فهم من الصف الثاني وكانوا موجودين في المدينة ويقومون بالرعاية. يمثل معبد بل التدمري واحداً من أهم الإنجازات المعمارية التي تَميزَ بها حوض البحر المتوسط خلال الألفية الأولى من الحضارات البشرية فيها. فهذا المنتج المعماري الذي يعتبر حصيلة تمازج الحضارات يقوم على الأشكال الكنسية الغنية في شكلها الأولي ويتضمن كل خصائص الجمال الفريدة بأعلى درجاتها، ويظهر إلى جانب معبد زيوس في بعلبك مدى شغف الحضارات في تلك الفترة في الاستثمار وتشييد العمارات والأبنية الضخمة. خلاصة:- ما نتفق عليه جميعنا هو أن تدمر كانت بالفعل مدينة تجارية مزدهرة تتربع على واحد من أهم طرق العالم القديم التجارية، مما منح نخبتها الحاكمة والغنية القدرة المالية الضخمة ليقوموا بالاستثمار في الهندسة المعمارية ذات التقنيات المعقدة والمتمازجة. ومع أن العمارة تمتلكها المدينة وسكانها، إلا أنها في تلك الفترة – وحتى اليوم – كانت مفتاحاً ومقياساً يعبر عن قوة المدينة، عن قيمتها وقدرتها. وبالفعل ساعدت عمارة تدمر في تطوير المدينة وانتشار صيتها كأبرز المدن وأهمها في محيط حوض المتوسط. ومما نفهمه من هذا التمازج المعماري للمعبد نفسه أن تدمر لم تكن مدينة أحادية الثقافة بل تبعاً لعمارتها تبدو مجتمعاً متنوعاً ثقافياً، فمع أن العبادة هي أمر روحي خالص يختلف من منطقة لأخرى إلا أن تنفيذ المعبد قد كان بالفعل شيء فريداً استوحي واتبع فيما بعد في بناء الكنائس خلال الحكم الروماني.
الساعة الآن 06:41 PM
|