على الرغم من أن فكرة العجز أو عدم القدرة (Disability)
تمثل في الأصل فكرة جبرية قديمة استخدمتها المجتمعات الإنسانية، لوصم الإنسان الذي يصاب في بصره فلا يرى أو في سمعه فلا يسمع أو في عقله فلا يدرك أو يشل في قدميه فلا يتحرك، إلا أن لفظ العجز تعبير لفظي يتعارض مع العقل والمنطق والتسامح وكرامة الإنسان، لأنه يؤدي إلى إلحاق الأذى والضرر بالشخصية التي أصابتها الإعاقة من جانب، ويسهم في إحساسها المستمر بالنقص الجسمي والقصور العقلي والتدني الاجتماعي من جانب آخر.
وإذا كان أصحاب الإعاقة التقليدية الظاهرة (الأعمى والأصم والأبكم) يستطيعون ممارسة بعضا من شئون حياتهم اليومية بصورة أقرب إلى الطبيعية دون مساعدة كبيرة من الآخرين، فلا يجب أن يطلق على أي منهم مصطلح (عاجز)، لأن العاجز هو الذي لا يقدر على عمل أي شيء وهم يعملون في حدود إمكانياتهم الباقية لديهم، وعلاوة على ذلك فإن مصطلح العجز يعد مصطلحاً مؤلماً ومعطلاً لأصحاب الابتلاء من الأطفال الذي يحملون الإعاقة من ناحية، ويزيد من الضغوط النفسية الواقعة على أسر هؤلاء الأطفال المعوقين من ناحية أخرى، وذلك على النحو التالي:
أ- العجز والانزواء بعيداً عن حياة الناس:
إن إطلاق مصطلح العجز على الأطفال المعوقين يحمل في طياته معاني لفظية مؤلمة وجروح نفسية عميقة وإساءة وجدانية ضارة لصاحبها وأهله وذويه المبتلين، ذلك المصطلح السيئ يضطر أسرة الطفل المعوق من الانزواء بعيداً عن الناس والانسحاب من الحياة تجنباً للمهانة الاجتماعية، ومن ثَّم يحاصرون الطفل المعوق ويضيقون عليه الخناق، وكأنهم يحددون إقامته في نطاق البيت فلا يخرج منه إلا لأصعب الأمور وربما تحت جنح الظلام، وكأن هذا الطفل المعوق مخلوق مشوه من كائنات أخرى غير بني البشر.
ب- العجز وإغلاق أبواب الرجاء في طلب العلاج:
إن إطلاق مصطلح العجز على الأطفال المعوقين قد يسد أبواب الأمل والرجاء أمام الطفل المعوق وأسرته المبتلاه في طلب العلاج من أجل الحد من تفاقم الإعاقة وتأثيراتها، ذلك أن هذا المصطلح لا يكتفي بوصف الواقع الإعاقي المؤلم والعيش في ظلاله القاهرة فقط، بل يحكم هذا الواقع ويجسده ويدينه ألماً وبأساً وحسرة ويأساً، بما قد يوحي – لدى أسر الأطفال المعوقين – إلى أن هذا الواقع الإعاقي ثابت مستمر ولا يمكن تغييره أو حتى الإقلال من تبعاته، وكأن المجتمع يغلق أبواب الأمل في إمكانية علاج الطفل وتحسين حالته.
ج- العجز وزيادة مستوى التشاؤم وإضعاف مستوى التفاؤل:
إن إطلاق مصطلح العجز على الأطفال المعوقين قد يزيد من مساحة التشاؤم لدى الطفل المعوق وأسرته المبتلاه، ويضعف من توقعهم لحدوث الأفضل في حالة الإعاقة في الأفق المستقبلي القريب، ويؤكد في الوقت ذاته أن مثل هذا العجز قد يمتد بكل تبعاته ومساوئه في مستقبل الأيام، ويسهم في خفض الروح المعنوية لأسر الأطفال خلال مسيرة الحياة المجتمعية، ومن ثَّم يلقي بظلاله الكثيفة على مستقبل حياة الطفل المعوق وأسرته المبتلاه من ناحية، ويقلل من عزيمتهم المقاومة للإحباط والقلق والقنوط ويزيد من استجاباتهم للضغوط النفسية التي يتعرضون لها من ناحية أخرى.
د- العجز وتهميش شخصية الطفل واستبعاده:
إن إطلاق مصطلح العجز على الأطفال المعوقين قد يشعر هؤلاء الأطفال المعوقين بأنهم شخصيات هامشية لا جدوى منها ولا رجاء فيها من الناحية الاقتصادية ولا سيما الإسهام الإيجابي في دولاب العمل المنتج، وبأنهم شخصيات ضعيفة، خائرة القوى، مهانة المستوى، لا أمل فيها ولا جدوى من وجودها في الحياة المجتمعية. الأمر الذي يمثل حكماً بالإعدام على أفراد إنسانيين أحياء لم يرتكبوا إثماً ولم يقترفوا ذنباً، ودون قبول – حتى - استئناف الأحكام الظالمة الواقعة عليهم، رفعاً لظلمها وإنصافاً لأصحابها.
هـ - العجز والانسحاب من الحياة الاجتماعية:
إن إطلاق مصطلح العجز على الأطفال المعوقين قد يعطي إيحاء لمثل هؤلاء الأطفال لأن ينسحبوا من الحياة المجتمعية تجنباً للمهانة الاجتماعية، ويعيشون داخل أنفسهم وهم - لهذا الوضع النفسي - كارهون، يتوارون من سوء ما أطلق عليهم من تسميات لفظية رديئة ووصمات نفسية بغيضة من قبل المجتمع صانع الإعاقة، وعليم ألا يحاولوا قهر هذه الإعاقات ما داموا قد ثبت عجزهم، واتضح نقصهم، وظهر سلوكهم بشكل غير طبيعي، طبقاً لتصنيفات المجتمع وردود أفعاله تجاه الأطفال المعوقين.
و- العجز وتجسيد عدم الصلاحية للحياة الطبيعية:
إن إطلاق مصطلح العجز على الأطفال المعوقين يمكن أن يوحي لهؤلاء الأطفال وأسرهم المبتلاه، وكأنهم لا يصلحون لشيء في الحياة الاجتماعية سواء من أجل أنفسهم أو من أجل غيرهم، رغم أنهم قد يملكون قدرات بديلة يمكن استثمارها والبناء على ما لديهم بالفعل، فقد يملكون قوى وأسراراً تعوضهم عن حالة الفقدان الحسي أو القصور العقلي أو غيرها، فما قد يوجد لدى الأطفال المعوقين من قوى وإمكانات قد لا توجد لدى الأطفال المعافين من الإعاقة.